بعد توقف عامين.. أطفال الخليج يعودون للاحتفال بالـ”قرقيعان”

منوعات 14 نيسان, 2022

يستعد الأطفال في دول الخليج العربي للاحتفال مجددا بموروث شعبي شهير ليلة النصف من رمضان تعددت أسمائه ولم تختلف طبيعته.

وبعد الانقطاع لمدة عامين بسبب جائحة فيروس كورونا، تستعد دول الخليج للاحتفال، مساء الجمعة، بهذا الموروث الشعبي الذي تعاقبت عليه الأجيال.

“القرقيعان” في الكويت والسعودية، أو “القرقاعون” في البحرين، أو “القرنقعوه” في قطر، ويسميها العمانيون “القرينشوه”، هو تقليد شعبي واحد تبرز من خلاله المظاهر الاحتفالية، حيث يخرج الأطفال من منازلهم وهم يرتدون الأزياء الشعبية ويرددون الأهازيج المختلفة يجمعون من خلال رحلتهم بين الأحياء القريبة الحلوى والمكسرات وغيرها.

وقال الباحث في التراث البحريني، محمد الرويعي، إن “القرقاعون” موروث شعبي يشترك فيه أهل الجزيرة العربية ولا يقتصر فقط على أهل البحرين وإن اختلفت المسميات.

في حديثه لموقع قناة “الحرة”، يوضح الرويعي أن هذه العادة “يقال إنها نشأت في العهد الدلموني … والبعض يرى أنها موجودة لدى العرب في العصر الجاهلي”، لكن ظهورها يبقى غير معروف تحديدا، وفق قوله.

وعن اختلاف الأسماء بين دول الخليج، يعلق قائلا: “الأسماء كلها تعود لشيء واحد والاختلاف جاء من اختلاف اللهجات المحلية في شبه الجزيرة العربية لكن المعنى لا يختلف … القرقاعون نفسه عبارة عن الحلويات والمكسرات التي توزع في ليلة النصف من رمضان”.

وجاءت التسمية في اللهجة الكويتية من صوت قرع الطبول التي يستخدمها الصغار عادة للاحتفال بهذه المناسبة، بحسب الباحث في التراث الكويتي، صالح المسباح.

من جهته، يقول صابر المضحي وهو شاب من قرية الحليلة بمحافظة الإحساء في السعودية إن “الأطفال يتجولون بأكياسهم نحو البيوت ويحيونهم بالقرقيعان … وجرت العادة أن يعطيهم الأهالي ما يفرح قلوب الأطفال من حلويات وأكياس البطاطس الجاهزة وأنواع المكسرات”.

وأضاف أن الأطفال خلال تنقلهم من منزل لآخر يرددون الأهازيج منها “قرنقيعوا قرقيعان، بيت قصير ورميضان”.

كما يتم، وفقا للمضحي، “صنع بوابة من سعف النخيل قديما لتوزيع العصيرات على المارة بالشوارع وضرب الطبول بين الأحياء”.

ومع ذلك، يقتصر هذا الموروث الشعبي في السعودية على مدن المنطقة الشرقية ولا توجد في بقية المملكة.

ويرى المضحي أن سبب عدم انتشار القرقيعان في بقية مدن المملكة يعود إلى “اختلاف العادات واعتقادات أهل المناطق المختلفة … المملكة متنوعة في طبيعتها، فأهل البدو يختلفون عن أهل الحضر. كما يختلف أهل القرى والمزارعين”.

في الكويت، لا يختلف الأمر كثيرا عن شرق السعودية القريبة جغرافيا منها.

ويعتبر عبدالرحمن أحمد، 32 عاما، من الكويت أن هذا الموروث مرتبط بمظاهر الفرح والبهجة، لا سيما وأن الأطفال يحتفلون لاحقا بالكم الذي جمعوه من الحلوى والمكسرات والمال أحيانا.

وأضاف: “كنا ولا زلنا نعيش أجواء بهجة وفرح حيث يستعد الأطفال للخروج من المنزل وطلب الحلوى والمكسرات من البيت المجاورة وهم يرددون الأناشيد الفلكلورية … في هذه الليلة نشعر بالتكافل الاجتماعي وروح الاسرة الواحدة في المجتمع”.

وأشار إلى أن الأهازيج التي يرددها الأطفال في الكويت هي “قرقيعان وقريعان، بيت قصير ورميضان” و”عادت عليكم صيام، كل سنة وكل عام” و”سلم ولدهم يالله خله لأمه يالله”.

في هذا الإطار، يرى المسباح في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية “كونا” أن الأولاد لديهم أهازيج مختلفة عن البنات.

وقال: “كلمات الأهازيج التي ينشدها الأولاد خلال الاحتفال تختلف عما تنشده البنات حيث ينشد الأولاد أهزوجة (سلم ولدهم يا الله خله لأمه يا الله) وهي عبارة عن دعاء للولد بأن يحفظه الله لأهله بينما تغني البنات (قرقيعان وقرقيعان بيت قصير ورمضان)”.

عادة تأثرت بالتطور
ومنذ سنوات طويلة وهذه العادة مستمرة دون أن تتوقف، لكنها تأثرت بالتطور وظهور وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، فيما صار البعض يتكلف في إحياء هذه المناسبة.

وقال أحمد إن هذا الموروث “لايزال مستمر حتى الآن، ولكن بطريقة مختلفة حيث تأثرت هذه العادة الاجتماعية بوسائل التواصل والتكنولوجيا كما باتت الحلوى تقدم كتوزيعات جاهزة للأطفال”.

وأضاف: “بعض العوائل بدأت في التكلف وإظهار مظاهر البذخ في توزيع حلويات فاخرة باسماء أطفالهم … كما بات البعض يتفنون في إصدار أناشيد خاصة بهذه المناسبة بأسماء أبنائهم”.

ويرى المضحي، من جهته، أن هذه العادة التي كانت تمارس منذ القدم مستمرة إلى اليوم مع التطور الذي أعطى صبغة لهذه المناسبة، بحسب تعبيره.

وتابع: “تجذر الحفاظ على هذا الموروث بلبس اللباس القديم ليعطي ايحاء بقدم هذه المناسبة وامتداد لسير أجدادنا في الحفاظ على هذا الموروث بزيه الخليجي”.

وأوضح أنه “من الملحوظ أن هذا الموروث يمتد ولا يتقلص، بل وأصبح ظاهرة اجتماعية تحتفل فيها كل دول الخليج بلا استثناء”.

وتتشابه هذه العادة في قطر مع اختلاف الاسم قليلا والأهازيج، حيث يردد الأطفال هناك أثناء تجوالهم في الأحياء “عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم.. يا مكة يا معمورة يا أم السلاسل والذهب يا نورة”.

وفي عمان، يهتف الأطفال بـ “قرنقشوه قرنقشوه.. أعطونا شيء حلواه” بالإضافة إلى “قرنقشوه يا ناس.. عطونا بيسة وحلوى”. والبيسة هي الفئة الأصغر حجما من الريال العماني المكون من 1000 بيسة.

أما في الإمارات فيطلق على هذا الموروث “حق الليلة”، لكن الاحتفال فيها يتم فقط في ليلة النصف من شعبان، بينما يحتفل أيضا أتباع المذهب الشيعي في السعودية والبحرين بذات المناسبة في شعبان ورمضان معا.

ويرى الرويعي أن هذه المناسبة لها تأثير إيجابي كبير على المجتمعات في دول الخليج.

وقال إن “القرقاعون تجسد التلاحم بين الناس من خلال نشر ثقافة العطاء، حيث يذهب الكبار لشراء المكسرات والحلويات ويقدمونه للأطفال … يقال لدينا من فرح صبي فرح نبي”.
alhurra