الاعتداءات الجنسيّة في لبنان: “اغتصبني خالي تحت تأثير الكحول”…

لبنان 13 كانون الأول, 2022

كتبت إيسامار لطيف في موقع mtv:
 
“اغتصبني خالي ولم أُخبر عائلتي خوفاً من العار”، تقول ميرنا بصوت خافت خشيةً أن يسمعها أحدهم وينظر إليها بشكل خاطئ. فكيف لا؟ إذا كنّا حتّى اليوم وعلى الرغم من الانفتاح والحرّية اللتان نجاهر بهما، لا نزال بمكان ما في عقلنا الباطن نحتفظ بما نُريده من عاداتنا الشرقية والتي غالباً ما تكون ضدّ المرأة.
وفقاً لدراسات ميدانيّة أجرتها “أبعاد”، تبيّن أن أكثر من 70 في المئة من النساء يعتبرن الاعتداء على المرأة كاستهداف مباشر لـ”عرض العائلة وشرفها”، في حين 6 من أصل 10 نساء يتعرّضن لاعتداءات جنسية لا يبلغن عنها إن كان في حياتهنّ اليوميّة أو العمليّة حتّى تحت مسمّى “العرض والشرف”.
تُخبرنا ميرنا، وهي فتاة عشرينيّة، حكايتها المأسويّة، التي بدأت خلال فترة الحجر قبل سنتين، حيث اضطرت العيش في منزل جدّيها، ليقوم خالها باغتصابها وتهديدها بنشر صورها عبر “السوشيل ميديا” إذا فكرت ولو لحظة بإخبار والديها. “كانت الساعة تُشير إلى العاشرة مساءً، وكنتُ حينها أجلس في غرفتي أشاهد مسلسلي التركي، حيث دخل خالي وجلس إلى جانبي، وأخذ يداعبني ويقترب مني بشكل يُثير التعجب، وكانت رائحة الكحول تفوح منه بشكل مقزّز. بداية، حاولت الابتعاد عنه والخروج من الغرفة باتجاه الصالون، إلّا أنّه أقفل الباب ووضع المفتاح في جيبه ورماني على السرير وحصل ما حصل. وبعدما انتهى، صوّرني وهدّدني بإخبار أمي، مريضة السرطان التي أساساً تُصارع الحياة، فسكتت، وما الفرق؟ ففي كلّ الأحوال لن يُصدقني أحد وسأحمل وصمة العار هذه ولا قدرة لي على ذلك”، تقول ميرنا.
وصمة عار مجتمعيّة… ومحاولات عائليّة لطمس الحقيقة!
غالباً ما يحاول البعض في مجتمعاتنا الشرقيّة بإظهار الأنثى وكأنّها ضعيفة أو لا فائدة لها، فباعتقادهم خُلقت للأعمال المنزلية والإنجاب، أيّ بمعنى آخر ليست إلّا ماكينة يُحرّكها مَن يُفوّض نفسه عليها واصي كما يشاء. تُخبرنا الشابة التي أجبرها والدها على الزواج من قريبها المطلّق أنّها “لم تملك الخيار حتّى في رفض الزيجة التي فُرضت عليها، إذ يرى والدها أن الجامعة والانخراط مع الشبان تجلب العار، وبالتالي ما الفائدة من تعليم الفتاة إذا كانت سُنة الحياة أن تتزوج وتخدم زوجها؟”… تتحدّث “الضحيّة” كما اختارت أن تُسمّي نفسها بخجل وخوف، فهي اليوم مغتصبة ومطلّقة ينظر إليها المخيّم على أنّها “فيروس” حيث لا يجب الاقتراب منه حفاظاً على الشرف العام.
“عَرِفت عائلتي بأمر اغتصابي بعد الزواج، في حين أخبر زوجي العائلة والأقارب بالعار الذي اكتشفه ليلة الدخلة، فعاملوني وكأنّني المذنبة لأن خالي كان تحت تأثير الكحول وبالتالي لا لوم عليه. كما حذّروني من إخبار أيّ أحد بهذه الوصمة وبطاعة زوجي الذي لم يترك فرصة إلّا ووبخني فيها على كوني ضحيّة مغتصب مريض نفسيّ لم يرَ ليلتها غير شهواته، لأدفع أنا الثمن لمجرّد انتمائي لمجتمع يُنافسه بالجهل والمرض، فمن يأخذ حقّي وأنا أُغتصب يومياً من زوجي وأُضرب وأُهان إن رفضت؟”، تسأل ميرنا.
“لا عرض ولا عار”

يشهد لبنان أخيراً ارتفاعاً خطيراً في أرقام الاعتداءات الجنسيّة، في وقت لا تزال العقوبات على هذه الجرائم مخفّفة وبسيطة مقارنة بحجم الضرر الناجم عنها. في سياق متصل، ترى رئيسة منظمة “أبعاد” غيدا عناني أن “السبب وراء ذلك هو الربط الدائم ما بين أجساد النساء وما يعرف بالعرض والشرف”، مشيرةً إلى أن “الحملة التي حملت عنوان “لا عرض ولا عار” تُؤكّد على أن الاعتداء الجنسيّ جريمة وبالتالي لا بد من التشدّد في معاقبة المجرمينلإحقاق العدالة للناجيات ولحماية الإناث عموماً”.
حملة لا تُشبه باقي الحملات التي شهدناها خلال السنوات الماضية، إذ حملت الكثير من الرسائل المبطنة. إلى ذلك، تشرح عناني أن اللون الأبيض الذي استُخدم في الشعارات والصور التي رُفعت خلال وقفة احتجاجيّة نُفذت قبل أيّام يرمز إلى صفاء النفس والسلام الداخلي والخارجي مع المحيط، أمّا الأحمر فيُشير إلى شدة الألم جرّاء الأذى الجسدي التي تتعرّض له الضحية الناجية والذي يتحوّل إلى ألم نفسي دائم، كذلك يدل على دماء فض البكارة في الجماع”.
هذا وتعتقد عناني أن “تعديل القوانين ليس مستحيلاً اليوم، في حين تتواصل “أبعاد” بصورة دائمة مع المشرّعين بغضّ النظر عن توجهاتهم السياسيّة لأنّهم المرجع الأول لتعديل أو اقتراح أيّ قانون”. وتُضيف: “هناك قانون يجرّم المغتصب والمتحرش ولكن نحن كمنظمة نُطالب بتشديد العقوبة أكثر، لأنالمغتصب يُحكم بالسجن مدّة 5 سنوات، والسنة السجنية هي 9 أشهر أيّ أنّهيقضي فعلياً 3 سنوات و6 أشهر فقط بالحبس، وهكذا عقاب لا يلائم حجم الجرم الذي ارتكبه”.
انتصار مع وقف التنفيذ

عام 2017، حقّقت المنظمات الحقوقية انتصاراً بإلغاء البرلمان اللبناني المادة 522 المثيرة للجدل، والتي كانت تعفي المغتصب من العقوبة إذا تزوّج ضحيته، وتنص هذه المادة في الفصل المتعلق بـ”الاعتداء على العرض” وبينها جرائم الاغتصاب واغتصاب القاصرات وارتكاب “الفحشاء” في إشارة إلى الاعتداءات الجنسية، والخطف بالقوة بقصد الزواج، على أنه “إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى هذه الجرائم، وبين المعتدى عليها، أوقفت الملاحقة. وإذا كان صدر الحكم بالقضية علق تنفيذ العقاب الذي فرض عليه”.
بالمقابل، لا تزال المنظمات تطالب بإلغاء مادتين أخريين، إحداهما تنص على أن “من جامع قاصراً دون الخامسة عشرة من عمره يعاقب بالأشغال الشاقة الموقتة”، وأخرى تعاقب بالسجن فترة قصيرة أو بغرامة من “أغوى فتاة بوعد الزواج ففض بكارتها”.
فعلياً، القانون اللبنانيّ اليوم أمام حلّين لا ثالث لهما، فإمّا ينصف المرأة ويُحرّرها من القيود الرجعية والذكوريّة، أم يتحمل مسؤولية الجرائم التي تُرتكب بحقّها ويبقى على حماية المعتدي تحت شعار “العرض والشرف”…