خطر التوطين من باب “مكتومي القيد”: إستنفار لتسجيل ولادات النازحين
كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
حتى نهاية العام 2022 وُثّقت ولادة 196 ألف سوري في لبنان من عائلاتٍ نازحة، هذا عدا عن الولادات غير المعروفة وولادات السوريين المُقيمين من غير النازحين. وحتى العام 2017، لم تتخطَّ نسبة تسجيل ولادات النازحين الـ17 في المئة، فيما وصلت هذه النسبة إلى 36 في المئة أواخر العام 2022، من أصل الـ196 ألف مولود، بعد جُهد وتسهيلات الوزارات والإدارات المعنية في الدولة اللبنانية. وأمام مخاطر عدم تسجيل النازحين، بحيث أنّ أي مولود لا يُسجّل على أنّه سوري يُعتبر بعد فترة «مكتوم القيد»، استنفرت الدولة، خصوصاً عبر وزارتي الشؤون الاجتماعية والداخلية والبلديات لرفع نسبة تسجيل هذه الولادات، وذلك عبر خطة عملية بالشراكة مع الوزارات والشركاء الدوليين المعنيين لتحقيق «إنجاز تاريخي» بتسجيل كلّ ولادات النازحين، وإبعاد شبح «التوطين» من باب «مكتومي القيد» من السوريين.
الخُطة المرتقبة تصبّ في إطار القرار اللبناني الجاد والإرادة الحاسمة لتسجيل كلّ ولادات النازحين السوريين لمكافحة مسألة «مكتومي القيد». إذ ينتج من وضع «مكتومي القيد» مخاطر كبيرة، فهذا الوضع ينتقل من جيل إلى آخر ولا يستطيع «مكتوم القيد» أن يعود إلى بلده ولا أن يُوطّن في دولة ثالثة في غياب الوثائق الثبوتية اللازمة، فضلاً عن أنّ المولودين من النازحين إذا لم يتمّ تسجيلهم على أنّهم سوريون، يتعرّضون للعنف والاستغلال وهناك تخوٌّف من استغلال وضعهم في الاتجار بالبشر ومن أن يتعرّضوا للخطف أو التجنيد في مجموعات مسلّحة، فضلاً عن مخاطر التوطين الذي يُصبح واقعاً إذا لم يتمّ تسجيل هؤلاء المواليد، كما توضح المشرفة العامة لـ»خطة لبنان للاستجابة للأزمة» الدكتورة عُلا بطرس لـ»نداء الوطن». وتشير إلى أنّ الخطة المرتقبة لتسجيل ولادات النازحين «خطوة أولى لقوننة الملف وإدارته بطريقة صحيحة، وحماية حق النازح بهويته وبخيارات العودة أو إعادة التوطين في دولة ثالثة وحماية البلد».
التسجيل الانساني للمولودين من النازحين السوريين في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) يتمّ بنسبة 98 في المئة. لكن هذا التسجيل لا يعني اكتساب المولود الهوية السورية التي تتطلّب إجراءات ومعاملات إدارية وصولاً إلى التسجيل الرسمي في سجل الأجانب في مديرية الأحوال الشخصية في وزارة الداخلية والبلديات. لذلك عملت وزارة الشؤون ومديرية الأحوال الشخصية بالتعاون مع مفوضية اللاجئين على تسهيل مراحل التسجيل وخفضها من 7 إلى 4، بحيث بات يُمكن الاكتفاء بوصول التسجيل إلى سجل الأجانب لتُتابعه المديرية مع وزارة الخارجية التي تتابعه بدورها مع السلطات السورية.
ومن المُرتقب إطلاق خطة عملية تنفيذية قريباً لرفع نسبة التسجيل، وذلك بالتعاون بين وزارات الشؤون والداخلية والصحة والتربية والمفوضية والشركاء الآخرين، بحيث يُتفق على المقترحات في هذا الإطار بعد سنتين من التشاور، لتحديد دور كلّ من هذه الأطراف في عملية تسجيل الولادات، والانتقال بالملف إلى مرحلة تحقيق تسجيل كلّ ولادات النازحين في لبنان. وسيُعقد اجتماع بين المعنيين الأسبوع المقبل، تمهيداً لإطلاق هذه الخطة، ثمّ التوجُه خلال تنفيذها إلى المجتمع الدولي والجهات المانحة لتمويل خطواتها خلال مراحل التنفيذ، وذلك بعدما حصل تواصل مع المانحين وأبدوا دعمهم لهذا المشروع.
هذه الخطة تستهدف ولادات النازحين المُسجّلين في المفوضية، مع التعويل على أن تشجّع السوريين المقيمين على تسجيل ولاداتهم أيضاً. وتبتغي الخطة تذليل العقبات أمام التسجيل، كما تعمل الجهات المعنية على معالجة أسباب عدم التسجيل، وأبرزها: عدم تسجيل الزيجات الذي يحول دون تسجيل الولادات، انعدام الوعي المعرفي بأهمية تسجيل وقوننة الزواج والولادات، صعوبة التنقل والإضراب في الإدارات اللبنانية.
أمّا في ما يتعلّق بالنازحين غير المُسجّلين في المفوضية، فتعمل وزارة الشؤون من خلال فرقها الميدانية المنتشرة في كلّ لبنان على إجراء جلسات توعية وتقديم الاستشارة ومتابعة تسجيل كلّ الولادات التي لم يتمكن النازحون من تسجيلها حتى الآن، وذلك بالعمل مع عدد من الشركاء الأساسيين كالمحكمة الشرعية العليا ووزارة الداخية ودوائر الأحوال الشخصية ومفوضية اللاجئين، بهدف تذليل كلّ العقبات وتسهيل عملية تسجيل الولادات. وانطلاقاً من أنّه في سوريا، كانت مؤسسات الدولة قبل العام 2011 تتوجّه إلى الأرياف لتسجيل الولادات، تحاول وزارة الشؤون في لبنان مع مفوضية اللاجئين، عبر حملات التوعية والاطلاع على وثائق النازحين ومساعدتهم في تأمينها، أن تسهّل عملية تسجيل الولادات.
في ملف تسجيل ولادات النازحين السوريين في لبنان المسجَّلين لدى مفوضية اللاجئين، عملت وزارة الشؤون أيضاً على خلق قاعدة بيانات الكترونية تضمّ كلّ سجلات الولادات السورية في لبنان منذ العام 2015 حتى الآن. وعلى رغم من أنّ قاعدة البيانات هذه تمّ خلقها في العام 2021، الّا أنّ الوزارة كانت حريصة على إدخال بيانات كلّ سجلات الولادات الورقية التي حصلت في السنوات التي سبقت عام 2021، ونتيجةً لذلك تحتوي قاعدة البيانات الالكترونية التابعة للوزارة على 130 ألف و406 سجلّ ولادة حتى اليوم، والعمل مستمرّ على ادخال البيانات الجديدة كما القديمة، بهدف إنهاء عملية أرشفة البيانات القديمة نهاية العام الحالي.