تخشيبات وعرازيل… عودة الى القرية من باب الأعمال

جاء في “نداء الوطن”:

يشهد لبنان بحسب كل المعطيات عودة مكثفة غير مسبوقة الى قراه وضيعه الجبلية والساحلية. لكن هذه العودة الى الضيعة لا تبدو من باب التمسك بالجذور والحفاظ على الإرث والتراث بل من منطلق مختلف كلياً. فهاجس اللبناني اليوم ليس المحافظة على تاريخه وماضيه بل تأمين حاضره ومستقبله. وقد وجد في القرية وبيوتها المتهالكة القديمة وأحراجها و»جنيناتها» مصدراً جديداً للبزنس والأعمال لم يخطر بباله سابقاً، وما كان عبئاً على أصحابه في القرى صار مشروعاً سياحياً ناجحاً.

«نيال من له مرقد عنزة في لبنان» قول أكثر ما يصح في هذه الأيام القاحلة؛ فمن له مرقد عنزة صار بإمكانه تحويله الى عمل سياحي يدر عليه وعلى المنطقة أرباحاً غير متوقعة. هي ظاهرة جديدة تشهد انتشاراً كبيراً مع ازدهار السياحة الداخلية من جديد في مختلف ربوع لبنان. أفكار يبتكرها أبناء القرى وبناتها مستفيدين من أراض زراعية وحرجية يملكونها أباً عن جد ولا يعرفون كيف يستثمرونها أو يهتمون بها، ومن بيوت قديمة ورثوها عن الأهل يعيدون صياغتها لتعيد تجذّرهم بأرضهم وقراهم.

بعض المناطق والبلدات يشهد ازدهاراً لهذه المشاريع أكثر من سواه مثل جرود البترون أو فتوح وأعالي كسروان ومناطق المتن الأعلى وبعض المناطق الشوفية، وبعضها الآخر يكافح ليضع نفسه على الخريطة السياحية مثل عكار، أعالي الشوف، النبطية وغيرها عبر جهود أبنائها وإصرارهم بشكل فردي على استثمار أملاكهم بشكل جديد. وفي هذه المناطق النامية الحاجة أكبر الى مشاريع سياحية صغيرة لأن رغبة الزوار في التعرف إلى المناطق البعيدة تفوق رغبتهم بالتوجه إلى أماكن ذائعة الصيت باتت تشهد زحمة سياح وارتفاعاً كبيراً في الأسعار.

الثقافة درب الى السياحة

استثمارات فردية معظمها يرتكز على النشاطات السياحية. ولكن هل تكفي السياحة وحدها لتعيد تجذير الناس في أرضهم؟ وهل تشكل المبادرات الفردية رافعة للاقتصاد الريفي تؤمن له الاستدامة؟ نماذج إنمائية عدة اثبتت فاعليتها في تطوير مختلف جوانب الحياة في القرية وساهمت في جذب المبادرات الفردية والأفكار السياحية.

في حمانا أنشئ بيت الفنان في العام 2016 ليكون منصة للفنانين المحليين والعالميين ومركزاً لنشاطات فنية مميزة تجتذب الباحثين عن تجارب فنية راقية في مختلف أنواع الفنون. وما كان مقدراً له أن يكون نشاطاً ثقافياً وفنياً بحتاً سرعان ما شكل نواة لحركة سياحية واقتصادية ناشطة. عن هذه التجربة يقول المهندس فادي نصر مؤسس ومدير مركز بيروت المجتمعي أن أهمية هذا المشروع تكمن في كونه بدأ كمشروع ثقافي وتطور الى مشروع اقتصادي ساهم في نهضة البلدة وتجذير الناس في أرضهم. فتوافد الجمهور لحضور الفعاليات الفنية أدى الى وجوب تطوير المطاعم والفنادق في حمانا لاستضافة الوافدين، ومع زيادة حركة الناس تحوّل سوق حمانا التقليدي الذي كان يتألف من بضعة دكاكين قديمة الى سوق تراثي يستقطب مطاعم ومؤسسات أجنبية؛ وهكذا دارت العجلة وباتت الاستثمارات السياحية الناجحة تستقطب سواها من المشاريع فكان مشروع بيت الفنان رافعة لكل الأنشطة الاقتصادية. ونظراً الى تمسك حمانا بطابعها التقليدي والتراثي من خلال بيوتها الريفية ذات القرميد الأحمر ولوجود مساحات كبيرة عند أطرافها مخصصة للرياضة والمشي الاستجمام، فقد ازداد الإقبال السياحي عليها.

لكن المطلوب برأي نصر ليس الاكتفاء بالناحية السياحية وحسب بل الانطلاق منها لتفعيل التنمية المستدامة التي تثبت أهل البلدة في أرضهم، مثل الصناعات الغذائية وغيرها من الصناعات المحلية وإحياء الزراعات التقليدية وتسليط الضوء عليها مثل زراعة الكرز في حمانا وزراعة الفاصوليا التي اشتهرت بها البلدة في السابق. ففي حمانا تراث زراعي يمكن المراكمة عليه للمساهمة في إحياء البلدة وتثبيت الناس في أرضهم إضافة الى أنشطة يمكن تبنيها والعمل عليها مثل الاهتمام بالحياة البرية والطيور والبيئة والسير في الطبيعة…لكن للأسف لا يمكن للمسعى الإنمائي أن يزدهر ما لم يقابله مسعى رسمي من قبل المسؤولين المحليين، أما الاستهتارالبلدي فينسف كل المساعي مهما كان الإصرار على إنجاحها كبيراً.

المصدر : نداء الوطن