الصفيرة في كل المناطق… واللقاح مجاني للنازحين فقط!
جاء في “الاخبار”:
إمّا الكوليرا وإما الصفيرة، لا مهرب من الأوبئة الناتجة من سوء الإدارة في لبنان. أكثر من 3600 حالة تسمّم مثبتة لدى دائرة الترصد الوبائي في الوزارة منذ مطلع العام الجاري. تنوعت الحالات من الكوليرا (842) إلى التسمم الغذائي (305 والتيفوئيد (184 إصابة). والكوليرا والصفيرة مرتبطتان بمياه الصرف الصحي ووصول الجراثيم البرازية (فيروسات أو بكتيريا) إلى الفم عبر استهلاك المياه أو الأطعمة الملوثة بالبقايا البرازية كما عن طريق الأيادي الملوثة.
1785 حالة «صفيرة» أو «يرقان» في لبنان منذ مطلع العام الجاري، 204 منها في بعلبك، بحسب البيان الأخير لوزارة الصحة حول انتشار «الصفيرة» في البقاع، والذي أرادت منه دوائرها تطمين الرأي العام. إلا أنّ ما لم تشر إليه الوزارة هو تركّز الإصابات في الشمال لا في البقاع فقط، مع تسجيل 1146 حالة صفيرة في المنطقة الأولى منذ مطلع العام 2023، أي 64% من الإصابات، بحسب بيانات الترصد الوبائي على موقع الوزارة.
أسباب انتشار المرض واضحة، بحسب المتابعين في الوزارة، وتختصر بـ«اهتراء شبكات توزيع وصرف المياه من جهة، وهي مشكلة لم تعالج منذ سنوات. واستخدام الناس لمياه ملوّثة بمخلّفات الصرف الصحي في الاستعمالات المنزليّة (الخدمة)، أو حتى للشرب عند شح مصادر المياه النظيفة من جهة أخرى». في البقاع، بؤر الانتشار معروفة أيضاً، وتتركّز، حتى اللحظة، داخل مخيّمات النازحين، وفقاً لممرضين عاملين في المستوصفات الأهليّة.
في المقابل، وبدل تعبئة الأجهزة المعنيّة في الدولة لمكافحة انتشار المرض، «يتخذ العلاج شكل جلسات التوعية والإرشاد»، فيما «بؤر الانتشار الصغيرة»، كما يسميها الأطباء، «قابلة للتوسع والانتشار في المناطق المجاورة لها بسبب تحرّك الناس من المناطق الموبوءة نحو الخالية من المرض». وأنباء توسّع رقعة الانتشار أكّدتها أيضاً مصادر «الأخبار» في مستوصفات منظمة «أطباء بلا حدود»، حيث يشتبه بوجود عدد كبير من الحالات في منطقة البقاع، وخصوصاً في عرسال، إلا أنّها تنتظر تأكيدها مع خروج نتائج الفحوصات مطلع الأسبوع الجاري.
وعلى خط الفحوصات والمتابعات، لم تخرج أيضاً نتائج اختبارات المياه التي أجرتها دائرة الترصّد الوبائي في وزارة الصحة للمناطق الأكثر تسجيلاً للحالات. ولكن، وفقاً لعدد من أطباء الصحة العامة في أكثر من منطقة لبنانية، فـ«الصفيرة منتشرة، والحالات تسجّل حتى في بيروت». وهنا لا بدّ من الإشارة إلى حصول انتشار محدود لهذا المرض في الضاحية الجنوبية لبيروت منذ عدة أسابيع، والمسؤولية وقعت يومها على طعام ملوث مصدره أحد المطاعم. من هنا، لا يستغرب الأطباء انتشار «فيروس الكبد الوبائي أ»، المسبّب لـ«الصفيرة»، ولا سيّما مع تواتر الأخبار عن مداهمة المطاعم غير الملتزمة بالشروط الصحيّة.
وبحسب الدراسات، «تنتشر الصفيرة في الدول الفقيرة، أو أماكن النزاعات، بسبب تدهور شبكات الصرف الصحي وتوزيع المياه». وفي هذه المناطق، فإن 90% من الإصابات بين الأطفال، بحسب أرقام منظمة الصحة العالمية. إلا أنّ الإصابات في لبنان اليوم غير محدودة بالأطفال، بل هناك أعداد غير قليلة من البالغين مصابة، رغم أنّه «من النادر أن تظهر حالات وبائية لدى كبار السنّ لامتلاكهم المناعة اللازمة بسبب إصابة سابقة أو تلقي اللقاح».
اللقاح متوفر، و«يجري توزيعه على النازحين مجاناً في المستوصفات التابعة للمنظمات الدوليّة». لكن اللبناني عليه أن يدفع ثمنه، سواء للأطفال أو الكبار، إذ لا يدخل في لائحة اللقاحات الإلزامية التي تغطيها وزارة الصحة. الجرعة الواحدة للأطفال تناهز كلفتها مليوناً ونصف مليون ليرة، فيما الجرعة الخاصة بالكبار تصل كلفتها الى أكثر من أربعة ملايين ليرة. ومن ناحية العلاج، لا وجود لأدوية تعمل مباشرة على «فيروس الكبد الوبائي أ» المسبب لـ«الصفيرة»، بل يعمل الأطباء على التخفيف من العوارض التي تراوح بين الحرارة المرتفعة، واصفرار الجلد وشحوب اللون، والبول الداكن، والتي غالباً ما تكون خفيفة.
«أفضل الحلول الوقاية»، تقول طبيبة الأطفال الدكتورة حنان المصري. وتلفت إلى «أنّ الأشخاص الموجودين في المناطق الموبوءة عليهم تعقيم مياه الشرب عبر غليها، وتجنب الأطعمة غير المطبوخة على أنواعها (لحوم، خضر، فواكه)، والمحافظة على النظافة الشخصية وتعقيم الأسطح والأيدي». وفي ما يتعلّق بلبنان، تشير المصري إلى «وجود تهديد نظراً إلى الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يمرّ بها وما يرافقها من تراجع الاهتمام بالنظافة العامة وتطبيق الشروط الصحية». وتشير إلى «ضرورة تتبع مصدر المرض لإيقافه».
الريقان»، مرض يتسبب به «فيروس الكبد الوبائي أ»، أحد أفراد عائلة الفيروسات التي تصيب الكبد وتؤثر على قدرات هذا العضو العملية. الفيروس مُعدٍ، ويمكنه الانتشار بسرعة بين الأصحاء الذين لم يصابوا به سابقاً أو غير الملقّحين. في المقابل، لا يتسبب بمرضٍ مزمنٍ كفيروس الكبد الوبائي ب وج. والإصابة بالنسخة أ، من المرجح أن لا تتسبب بعوارض شديدة أو مميتة. إذ لا تتخطى نسبة الوفيات جرّاء الإصابة به 0.5%.
تنتقل العدوى بين الأفراد بشكل أساسي عند تناول الأطعمة، أو المياه الملوثة بالبقايا البشرية (البراز) لشخص مصاب. كما تنتقل الإصابة بسرعة بين أفراد الأسرة الواحدة بسبب تلوث الأسطح في المنزل الواحد، وخصوصاً إذا قام المريض بتحضير الطعام لأفراد أسرته. وهنا لا بدّ من التنبيه إلى أنّ الإصابة قد تكون من دون عوارض في البداية، فمدة حضانة الفيروس تراوح بين 15 و50 يوماً، وخلالها يكون المريض معدياً بشدة. أما أخطر الإصابات، فتلك التي تمرّ من غير عوارض، إذ يمكنها نشر العدوى بشدّة من دون إمكانية تحديد مصدرها، وهذا ما يجري مع الأطفال.