هدوء ليلي بعد اشتباكات عنيفة في عين الحلوة… ومساعٍ لتثبيت وقف النار
جاء في “نداء الوطن”:
حتى ساعة متأخرة من الليل، لم تهدأ حركة الاتصالات السياسية اللبنانية والفلسطينية لتثبيت وقف إطلاق النار في مخيم عين الحلوة، الذي بقي يتأرجح بين معادلة الأمن المفقود والانفجار الممنوع، حيث بدا قرار السلطة اللبنانية السياسي والعسكري حاسماً بمنع الانفجار مهما كانت الظروف، وقد بذل مدير مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العميد سهيل حرب جهوداً حثيثة مع كل القوى اللبنانية والفلسطينية لإطفاء النار ووقف صوت الرصاص وإخماد الحرائق التي اندلعت في المخيم.
وقالت مصادر فلسطينية لـ»نداء الوطن»، أن خلية أزمة شكلت بين حركة «فتح» وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية يقودها السفير أشرف دبور وفتحي أبو العردات وغسان أيوب، وبين «تحالف القوى الفلسطيني» بقيادة أحمد عبد الهادي، وبين «القوى الإسلامية» التي يقودها الشيخ جمال خطاب والشيخ إبراهيم السعدي، إضافة الى «التنظيم الشعبي الناصري» يمثله «أبو جمال» عيسى وحركة «أمل» يمثلها بسام كجك، وتكلّلت جهودها بالنجاح في وقف إطلاق النار ليلاً.
وإذ قرأ المراقبون، أنّ تجدد الاشتباكات كان هدفه إحباط الاتفاق الذي جرى على إخلاء مدارس وكالة «الأونروا» من المسلحين، لفت الانتباه الموقف الدولي الذي أطلقه المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في لبنان عمران ريزا، الذي وجّه نداء عاجلاً لوقف القتال في المخيم وإخلاء المدارس التابعة «للأونروا»، وتسهيل عملها وغيرها من المنظمات الإنسانية من أجل توفير الحماية والمساعدة الضروريتين لكل العائلات المحتاجة في المخيم.
بينما رأت أوساط سياسية، أن تجدد الاشتباكات ليس مجرد انتكاسة لمسار معالجة تداعيات المعارك بين حركة «فتح» والناشطين الاسلاميين في 30 تموز 2023، «بل بمثابة إطلاق نار مباشر على الجهود اللبنانية والفلسطينية لحماية المخيم وأمنه واستقراره مع الجوار اللبناني كعنوان للقضية الفلسطينية وحق العودة»، ولفت الانتباه الاتصال الذي أجراه مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وتمنى عليه «العمل بكل الوسائل المتاحة للضغط من أجل وقف هذا النزف الأمني لصيدا من خاصرتها الفلسطينية، وأن تتحمل الدولة اللبنانية مسؤوليتها». كما أجرى سوسان جولة مشاورات هاتفية حول الوضع في المخيم وتداعياته على المدينة مع كل من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان والنائب أسامة سعد والنائبة السابقة بهية الحريري ونائب رئيس المكتب السياسي لـ»الجماعة الإسلامية» بسام حمود.
وكان مسار المعالجة في مخيم عين الحلوة أصيب بانتكاسة كبيرة، وعادت الأوضاع الأمنية إلى مربّعها الأول أو نقطة الصفر، بل دخلت في عنق الزجاجة بعد انهيار الهدنة السابقة وتجدّد الاشتباكات بين حركة «فتح» والناشطين الإسلاميين من «تجمّع الشباب المسلم» و»جند الشام» سابقاً، في تكرار لمشهدية المخيم بين الأمن المفقود والانفجار الممنوع.
مسار المعالجة انتهجته القوى الفلسطينية بالإجماع وبدعم لبناني لتطويق تداعيات الاشتباكات التي اندلعت في 30 تموز 2023 عقب اغتيال قائد الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا اللواء أبو اشرف العرموشي، بدءاً بوقف إطلاق النار وتشكيل لجنة تحقيق، مروراً بإصدار تقريرها بتسمية ثمانية مشتبه بهم في تنفيذ الجريمة، وصولاً إلى تعزيز القوة الأمنية المشتركة لجلبهم بالقوة والانتشار في مدارس «الأونروا» بعد إخلائها من المسلّحين.
واتهم قائد الأمن الوطني الجديد العميد أبو أياد شعلان، المجموعات الإسلامية المتشدّدة ببدء المعركة تهرّباً من إخلاء مدارس «الأونروا» وتسليمها إلى القوة الأمنية المشتركة، والذي كان مقرّراً عصر الجمعة بعد الاجتماع الذي عقدته «هيئة العمل المشترك الفلسطيني» في منطقة صيدا.
وقال شعلان لـ»نداء الوطن» إنّ «فتح» ما زالت «ملتزمة قرار وقف إطلاق النار والإجماع الفلسطيني في الاقتصاص من الجناة»، نافياً «أن يكون الأمن الوطني نصب كميناً أو شرع في الهجوم على منطقة الطوارئ»، مشدّداً في الوقت ذاته على أنّ «دماء الشهداء وعلى رأسها العرموشي لن تذهب هدراً».
بينما قال الناطق باسم حركة «حماس» جهاد طه إنّ الحركة تعقد سلسلة لقاءات وتجري الاتصالات مع جميع الأطراف من أجل تثبيت وقف إطلاق النار وتنفيذ ما تمّ التوافق عليه، «وهناك من يحاول إعادتنا إلى نقطة الصفر في المخيم، وما يجري هو فتنة تسعى جهات مشبوهة لتمريرها».
وأوضحت مصادر فلسطينية لـ»نداء الوطن» أن اللافت في الاشتباكات الجديدة:
– حدّتها وقوّتها رغم قصر وقتها، حيث حصدت أكثر من 35 جريحاً وأضراراً مادية كبيرة، ناهيك عن الإستياء السياسي والأمني اللبناني بعدما طاولت القذائف أحياء في صيدا والمناطق المجاورة للمخيم، ما أدّى الى شل الحركة في المدينة، وخاصة في ساعات الصباح الأولى مع اشتداد وتيرتها.
– توسّع رقعة الاشتباكات من محور الطوارئ – البركسات – بستان القدس، إلى محور حطين – جبل الحليب، رغم كل الجهود السياسية لتحييد باقي أرجاء المخيم، نجحت على محور الصفصاف – البركسات الذي بقي هادئاً، وقد أصيب أعضاء لجنة حطين وهم يسعون إلى وقف إطلاق النار، في وقت رفض رئيس اللجنة منصور عزّام ربط المنطقة بمصير الطوارئ.
– حركة النزوح الكثيفة وغير المسبوقة، لقناعة أبناء المخيم أنّ المشكلة ليست ظرفية وبنت ساعتها، بل هي امتداد للاشتباك السابق والهدنة، مع الشعور المتزايد بخطورتها وربما طول أمدها، في وقت لم تبادر وكالة «الأونروا» إلى فتح مدارسها، كما المرّة السابقة، لاستقبال العائلات النازحة من المخيم والتي توجّهت إلى قاعة «الموصللي» كالعادة وإلى بلدية صيدا للمرّة الأولى. وتفقّد رئيس بلدية صيدا الدكتور حازم خضر بديع النازحين، مشيراً إلى أنّ البلدية استضافت وحدها أكثر من 300 شخص من أطفال ونساء وشيوخ، مناشداً المنظمات الإغاثية المحلية والعالمية مدّ يد المساعدة، «لأن الوضع الصحّي والإجتماعي للنازحين كارثي»، ودعا المسؤولين الى الضغط بجدّية لوقف اطلاق نار دائم، «لأنّ تداعيات الإشتباكات كارثية على المخيم وصيدا ومنطقتها».
وفي القراءة اللبنانية، يعتبر تجدّد الاشتباك بمثابة إطلاق نار موجّه إلى صيدا كونها المتضرّر المباشر بكل مستوياتها الاقتصادية والمعيشية والحياتية اليومية، وإطلاق نار مباشر على كل الجهود اللبنانية والفلسطينية التي بذلت من أكثر من طرف ومرجعية لمنع تكرارها.
المصدر : نداء الوطن