اعتكاف القضاة يشلّ العدالة: الملفات تتكدّس وأكثر من أزمة في المحاكم

جاء في “الاخبار”:

ينتظر أغلب القضاة الذين أعلنوا الاعتكاف بشكل فجائي، انتهاء العطلة القضائية ليعودوا إلى عملهم في 16 أيلول المقبل. وذلك ما لم يطرأ ما يُجبر هؤلاء على التوقّف قسرياً، تضامناً مع زملائهم المُصمّمين على الاستمرار في اعتكافهم حتى تعزيز أوضاعهم الاجتماعية، وتأمين البنية التحتية اللازمة لسير العمل، في قصور عدلٍ ومحاكم متهالكة، يحتاج بعضها إلى الهدم وإعادة البناء من جديد، مثل قصر عدل بعبدا.

ويبدو لافتاً أن مؤيّدي الاعتكاف، وعلى غير عادة الاعتكافات السابقة، لم يصل عددهم إلى الحدّ المطلوب لشلّ العدليات والمحاكم. فمن أصل ما يقارب 600 قاضٍ، لم يوافق في التصويت على الاعتكاف، الذي نُظّم الجمعة في 1 أيلول الجاري، سوى 115 قاضياً تقريباً، غالبيتهم من القضاء العدلي، حيث يفترض أن يكون الاعتكاف مُوجعاً، كونه عل تماسٍ مباشرٍ مع الناس، عكس القضاءين الإداري (مجلس شورى الدولة) والمالي (ديوان المحاسبة).

ومما تتضمّنه مطالب القضاة: تأمين الأقساط المدرسية لأبنائهم، المُسجّلين في أغلى مدارس لبنان، حيث تراوح قيمة الأقساط بين 7 آلاف دولار أميركي و15 ألف دولار أميركي. وهو ما لا قدرة للدولة ولا لصندوق تعاضد القضاة على تأمينه، في ظلّ الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمرّ به لبنان. وخصوصاً أن هناك موظفين آخرين في إدارات الدولة ومرافقها، قد يطالبون بدورهم بدفع الأقساط المدرسية لأبنائهم، في حال جرى توفيرها للقضاة.

ويستغرب قضاة تحديد الاعتكاف بعد أيامٍ على قبض المنحة الاجتماعية بالدولار الأميركي من صندوق التعاضد، وإن جاءت مُتأخّرة عن موعدها بضعة أيام، إذ يُفترض أن تُدفع مطلع كل شهر وليس مع اقتراب نهايته.

والغريب أن «مجلس القضاء الأعلى» برئاسة القاضي سهيل عبود، شبه معطّل، إلا عن مقاربة الملفّات العادية. ويقف متفرّجاً ولا يُحرّك ساكناً إزاء مطالب القضاة، عدا السعي لتحسين العدليات. وهو أساساً لم يقم بواجبه في إعداد مناقلات جزئية، يستفيد منها القضاة الذين تخرّجوا في معهد الدروس القضائية و«لُزِّموا أعمالاً في وحدات وزارة العدل والنيابة العامة المالية، بدلاً من المحاكم الأكثر أهمية». وهو ما كان سيخفّف من أزمة الانتدابات الآخذة في اجتياح محاكم كثيرة في كل المحافظات، نتيجة تقاعد قضاة واستقالة آخرين ووضع آخرين أنفسهم في الاستيداع مدّة من الزمن تراوح بين ستة أشهر وسنة مع إمكانية التجديد، بداعي الدراسة، علماً أن معظمهم قاموا بذلك بدافع العمل وقبض «الدولار الطازج»، خلافاً للقانون.

عبء الانتدابات

وقياساً على آخر تشكيلات قضائية صدرت بموجب المرسوم الرقم 1570 في 10 تشرين الأول 2017، أي منذ آخر مجلس برئاسة القاضي جان فهد قبل إقالته عام 2019، فإن الانتدابات باتت في مراكز كثيرة، وهو ما يُرهق القضاة والمحامين والمتقاضين ويُكدِّس الدعاوى والملفات ويُؤخّر تحقيق العدالة. ومن هذه المراكز:

– رئاسة 7 غرف في محكمة التمييز من أصل 10 غرف. وثمّة غرفتان يتقاعد من أُسند إليه رئاستهما بالإنابة في كانون الأول 2023 وشباط 2024، وهما القاضيان مادي مطران وماجد مزيحم.

– الرئاسة الأولى لمحاكم الاستئناف في المحافظات الست المعتمدة في الهيكلية القضائية، أي في بيروت وجبل لبنان والجنوب والنبطية والبقاع والشمال، حيث يشغلها حالياً قضاة بالإنابة ومن غير التوزيع الطائفي المعتمد (من حسنات الانتداب إخراج الطائفية من المراكز القضائية).

– قاضي التحقيق الأول في بيروت (مركز سني يشغله ماروني) وقاضي التحقيق الأول في البقاع (مركز شيعي تشغله كاثوليكية) وقاضي التحقيق الأول في النبطية (مركز شيعي يشغله سني) وقاضي التحقيق العسكري الأول (مركز درزي يشغله ماروني).

– رئاسة 7 غرف محاكم استئناف في بيروت من أصل 15 غرفة، إضافةً إلى شغور في المستشارين، ما يُضطر المعنيين إلى انتداب آخرين، لتسيير عمل هذه المحكمة أو تلك، وبعضهم لديه محكمته الخاصة التي يرأسها، وهذا يعني زيادة العبء والمسؤولية عليه.

– رئاسة 5 غرف في محاكم استئناف جبل لبنان من أصل 18 غرفة.

– 3 غرف تحقيق في دائرة التحقيق في بيروت، ويرتفع العدد إلى 4 في تشرين الثاني المقبل، علماً أن هناك قاضياً منتدباً إلى مكان آخر.

– رئاسة غرفتين من أصل 9 غرف في محاكم البداية في جبل لبنان.

– رئاسة 4 غرف في محاكم الاستئناف في الشمال من أصل 8 غرف.

– رئاسة 3 غرف في محاكم الاستئناف في البقاع من أصل 6.

– رئاسة غرفة واحدة في محاكم الاستئناف في الجنوب وواحدة أخرى مماثلة في النبطية.

وتجدر الإشارة إلى أن النائب العام التمييزي غسان عويدات يُحال على التقاعد في 22 شباط 2024، لينخفض عدد قضاة النيابة التمييزية من 11 قاضياً إلى 6. وقد تحلّ في رئاستها القاضية ندى دكروب ابنة شقيقة الرئيس نبيه بري، كونها الأعلى درجة بين زملائها هناك، ما لم يكن قد جرى انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، تعيّن قاضياً من الطائفة السنية.

كما أن «هيئة التفتيش القضائي» تعاني بدورها نقصاً في عديدها، فمن أصل 11 قاضياً يوجد 6 قضاة (قاض واحد و5 قاضيات إحداهنّ موضوعة في الاستيداع)، ورئاسة هذه الهيئة شاغرة منذ تقاعد رئيسها في تموز 2022، وتترأّسها حالياً بالإنابة قاضية درزية.