لقد خدعتنا يا دولة الرئيس، عندما قلت:“ما حدا أكبر من بلده”….لأن الحقيقة أنك أكبر منّا، ومن البلد و من العالم..
بقلم كارول هاشمية
في 14 شباط 2005، ضرب زلزال مدينة بيروت قوته ألف طن من المتفجرات على مقياس قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري, 19 عاماً مضت على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري،
اليوم الذي غيّر وجهة لبنان
لبنان ،وكأنّ هذا البلد كان مستنداً باقتصاده وعلاقاته على رجل واحد.
ففي كلّ يوم، ومع كل مأزق سياسي واقتصادي ووطني يدرك اللبنانيون هول الخسارة.
فقد رحل من قال “ما حدا أكبر من بلده”، لقد خدعتنا يا دولة الرئيس… لأن الحقيقة أنك أكبر منّا، ومن البلد و من العالم……
رفيق الحريري رحل، نعم…. هذه الحقيقة، ولكن ما صنعه وأفسده المخربون بعد استشهاده بقي محفوراً في ذاكرة كل لبناني وعربي,فهو رجل كان كالصخرة التي تحمل وطناً، تحمله بعيداً عن الطائفية والحسابات الانتخابية.
ما أنجزه رفيق الحريري قارب المعجزة، هو من حوّل لبنان من شماله إلى جنوبه ـ إلى ورشة إعمار كبيرة بعدما انهكته الحرب الأهلية المدمرة على
مدى 15 عاما…
قاد الإعمار في البلاد وكسر الحواجز والمتاريس التي رُفعت في الحرب الأهلية من قبل ميليشيات وأمراء الحرب، هو الذي أنسى حجارة المدينة تعبها وترهّلها، هو من رمّم الرصيف و شقّ الطريق ليس من أجل أن يسير هو أو نحن عليها، بل كي يعبرها أولادنا، بل أحفاد أحفادنا، هو من جعل العلم منارته وهدفه فأعدّ أجيالاً بالحبر والقلم. لم يسخّر التعليم لصناديق الاقتراع فكانت المنح التي يخصصها تذهب لكل من يستحقها حتى لو كان في السياسة خصماً.
في عهده أصبح لبنان قبلة السياحة ومستشفى الشرق، وكل القطاعات أزدهرت حتى لقبت بيروت بلؤلؤة الشرق…
كان الحريري “بي الفقير” و” بي الكل ” لم يغلق بابه يوماً ولم يرجع سائلاً، ولا أحد غيره يستحق هذا اللقب.
رفيق الحريري لم يتحدث يوماً مذهبياً وكان لبنانياً لا سنياً، فالتفت حوله كل فئات الوطن وسقطت لغة الأقلية والأكثرية
القضاء على إرث رفيق الحريري….
احتاج الذين قتلوا رفيق الحريري إلى ١٩ عاماً للقضاء على إرثه. لم يدركوا أن القضاء على إرث رفيق الحريري هو قضاء على لبنان ليس إلّا. فما يتبيّن مع مرور الزمن أنّ لا وجود لمشروع بديل من ذلك الذي عمل من أجله رفيق الحريري،و ما يحصل حاليا هو بناء مشروع بديل من مشروع الإنماء والإعمار، إنّه مشروع مبني على الحقد وليس على أي شيء آخر، ليس لدى الذين قتلوا رفيق الحريري والذين غطوا الجريمة وصولا إلى ما وصل إليه لبنان سوى مشروع واحد اسمه القضاء على إرث رفيق الحريري..
اغتيال الحريري الذي هدف لاغتيال لبنان، انقلب على المجرم، فخسر هو، وبقيت شعارات الحريري تتردد في الأصداء.
كيف لا، والشهيد هو الذي نادى بالسيادة وبالحرية وبمقاومة وطنية جامعة لا لفئة، ووطنية لا طائفية، وآمن أن لا خلاص إلا بالوحدة والمصارحة ثم المصالحة.
إنّ اغتيال الحريري وإن أخرج المجرم، إلاّ أنّه أعاد لبنان 100 سنة إلى الوراء.
ببساطة منذ ذلك التاريخ لم يعد هناك مَن يضع حجراً فوق حجر، كل شيء تدمّر، وفقد اللبنانيون الأمل ، بعدما خسروا رجلاً قدّم وطنه على نفسه.
و ما نعيشه اليوم يدفع اللبنانيين إلى السؤال الدائم: ماذا كان سيفعل رفيق الحريري لو كان على قيد الحياة؟ هم من كانوا يرددون عند إشتداد الأزمات: «بكرا الحريري بحلها».
لو كان رفيق الحريري حيا اليوم لتوصل لتسوية بين المجتمع الدولي وإيران لتحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية، ولأبقى ثقة العالم والمستثمرين بلبنان عالية، ولأبقى بيروت عروس الشرق..
ظلَمَنا رفيق الحريري وأتعبنا بحجم أحلامه وبارتفاع السقف الذي بناه فوقنا وبأنّ المستحيل يمكن دائماً تحقيقه…
و بعد ١٩ عاماً أدركنا كم كانت عملية اغتيال الحريري معقدة، فاغتياله كان مشروعاً لضرب لبنان واقتصاده وأمنه.
برحيل رفيق الحريري خسر لبنان قامة وطنية وعربية ودولية ومَن قتله، أراد عملياً تغيير المعادلة الداخلية في لبنان وتحويل البلد إلى رأس حربة في مشروعه التوسّعي.
١٩ عاماً ولم ينسَ لبنان رفيق الحريري ولا المحطات التي عاشها كثيرون معه ولا الرفاهية والرخاء.
١٩ عاماً وبيروت ما زالت تبكي على غيابك…
بيروت التي عشقتها وجعلت منها عروس المدائن ، اليوم تغرق في الظلام ومرفأها مدمر َ والحقد الذي كان ينمو ضد ليلها المشعشع ، انتصر أخيراً وأطفأها. باستشهادك ، تحولت بيروت إلى مدينة مهزومة ومذلولة مستسلمة إلى هذا القدر.
دولة الرئيس رفيق الحريري اشتقنالك….. و ما أصعب لحظات شوقنا إليكَ وما أقساها سنوات فراقكَ علينا..
وكل يوم ندرك كم كانت فاتورة الاغتيال باهظة علينا وعلى لبناننا!