إنفجرت بين القائد والبيك
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
يتحرّك نواب من الحزب التقدمي الإشتراكي على نيّة إيجاد توافق سياسي لتسوية وضع رئيس الأركان في الجيش اللواء حسّان عودة، العالق بين سنداد الطعن المقدّم من وزير الدفاع، على خلفية تجاوزه في قرار التعيين، و”مطرقة” عجز الحكومة عن نشر المراسيم في الجريدة الرسمية حتى يصبح تعيينه نافذاً. ما يدفع إلى الإسراع في هذا المسار، إستباق موعد إحالة قائد الجيش العماد جوزاف عون إلى التقاعد في العاشر من كانون الثاني المقبل. بحسب معلومات “ليبانون ديبايت”، “رصاصة” بدء الجولة أطلقها رئيس الحزب النائب تيمور جنبلاط بعدما استضاف في دارته بالمختارة، قبل حوالي الأسبوع، اللواء عودة. وقد تقصّد حينها جنبلاط نشر صور اللقاء ومضمونه عبر الإعلام، ما فُسِّر على أنه رسالة ساخنة في سياق العلاقة الباردة نسبياً مع قيادة الجيش.
المدخل الإلزامي لأي اتفاق لا بد أن “يقطع” بقناة وزير الدفاع موريس سليم من خلال مرجعيته السياسية المتمثلة برئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، فيصار إلى سحب سليم الطعن الذي تقدم به إلى “شورى الدولة” في التعيين.
الطريق إلى هذا الهدف، تقول مصادر مطلعة، ليس صعباً، في ظل تحرّك أكثر من وسيط ومعني على الخط، مشيرة إلى انتهاء أحد رجال القانون البارزين من إعداد مطالعة قانونية “متوازنة” تؤمن نزول الجميع عن السقوف العليا. فتؤمن ما يطلبه “التيّار الوطني الحر” من جهة، وتوفر غطاءً سياسياً لوزير الدفاع حتى يتراجع عن الطعن، كما أنها تأخذ في الإعتبار مصلحة قيادة الجيش والإيجابيات التي سوف تتوفّر على صعيد المؤسسة العسكرية. أما هذه المطالعة فتحريكها يبقى رهن نتائج الإتصالات السياسية.
“باكيج ديل”..؟
تؤكد معلومات “ليبانون ديبايت”، أن أي انتقال محتمل في قيادة الجيش بات ضرورياً، ولا بد من أن يواكب بسلسلة من القرارات والتعيينات سواء في المجلس العسكري أو على صعيد هرمية المؤسسة العسكرية، لا سيما وأن الاخيرة تُعاني من تضخم على صعيد الضباط القادة (عقيد وما فوق) بلغ حد وجود حوالي 780 عميداً في سلك لا يحتمل أكثر من 200. بناء عليه، توفِّر “الدراسة” حلولاً على هذا الصعيد. لكن أي توجّه من هذا النوع لا بد أن يواكب بسلسلة تفاهمات سياسية، فيما تعتقد قوى معينة أن أي تغيير على هذا المستوى ضمن قيادة الجيش، يجب أن يواكب من جانب الحكومة بإجراء تعيينات لسد الشواغر في المجلس العسكري، ما يحتمل أن يأخذنا إلى ما هو أبعد، على شكل تعيينات “ضرورة” ضمن مواقع إدارية وأمنية وقضائية طالها الشغور ومسيّرة بالوكالة وذلك من ضمن “باكيج ديل” شامل.
على أي حال سلك مسار الإتصالات طريقه في انتظار مواكبته من جانب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، صاحب المصلحة في تمرير المراسيم التي أصدرتها حكومته في شأن تعيين عودة. وتفيد المعلومات، أن ميقاتي في صدد الإنضمام إلى مسار المباحثات الذي بدأه الإشتراكي، أو أنه يعوّل عليه من أجل توفير أرضية للحل فور عودته من زيارته إلى بغداد، وهو سيجري لقاءً مع وزير الدفاع موريس سليم للإستماع إلى ما لديه في هذا الخصوص، فيما بعض “الخبثاء” لا يستبعدون أن يكون ميقاتي على تنسيق مع المختارة. وثمة إشارة مهمة تمثلت في طرح موضوع “التعيينات” في جلسة مجلس الوزراء الماضية، ما تمت مواكبته بطرح موضوع تسوية وضع رئيس الأركان.
لا تمديد ثانٍ للقائد؟
ما أمكن ملاحظته، وما شكّل دافعاً صوب زيادة وتيرة النقاش في شأن قوننة وضع رئيس الاركان، غياب الإجماع حول خيار الذهاب إلى تمديد ثانٍ لـ”القائد” عبر قانون يصدره مجلس النواب، على الرغم من وجود إقتراح قانون مقدم من النائب “الإشتراكي” بلال عبدالله لتأجيل تسريح قادة الاجهزة ورفع سن تقاعد الموظفين، ببساطة لوجود علّة تتمثل بوجود قرار تعيين رئيس للأركان، حيث يخوّله قانون الدفاع الإنابة عن القائد في غيابه، ما يحتاج فقط إلى النشر حتى يصبح نافذاً. أضف إلى ذلك، أن ظروف التمديد التي توفّرت نهاية العام الماضي لم تعد صالحة اليوم، لجملة أسباب، من بينها الأسلوب “الفجّ” في تعامل “القائد” ضمن المؤسسة العسكرية أو مع الضباط ووزير الدفاع، بالإضافة إلى أسباب أخرى. وأخيراً وصلت معطيات في هذا الخصوص إلى مرجعيات سياسية عدة أمكن وضعها ضمن تقارير مفصلة.
ما يجعل من سقوط فكرة التمديد محتملة لمصلحة “قوننة” وضع رئيس الأركان، توفر تقاطعات سياسية بين أكثر من طرف. فإلى جانب الرغبة الواضحة للنائب السابق وليد جنبلاط ونجله النائب تيمور باستلام عودة قيادة الجيش عملاً بمندرجات قانون الدفاع، يعدّ النائب جبران باسيل مستفيداً، ببساطة لأن تسلّم عودة (كان باسيل أول من سمّاه) يقطع الطريق على التمديد لعون مرة ثانية، وينهي الخلاف في وزارة الدفاع، كما والأهم وفق اعتقاد البعض، يُخرج عون من دائرة الترشّح لرئاسة الجمهورية. وإن حسمنا أن كلاً من جنبلاط وباسيل أصحاب مصلحة، فيمكن أن يوفرا عامل جذب لقوى أخرى، كرئيس مجلس النواب نبيه بري و”حزب الله” مع الإشارة إلى التقارب الحاصل على خط بري – باسيل. فرئيس المجلس لا يفترض أن يُعارض طرحاً يرغب فيه صديقه وليد جنبلاط، ومتى أنه يوفر “ديل” مع باسيل قد يحمله إلى الحكومة مجدداً. أما الحزب، فمن الطبيعي أن “يمشي” مع بري ويمنح باسيل. المهم لديه ألا يكون الجيش في حالة فراغ في ظل الجبهة المفتوحة جنوباً. ما ينقص يأتي في موقف بكركي الراغبة في عدم تفريغ المواقع الأساسية من “المسيحيين الموارنة” بخاصة وأنها تنظر إلى وجود قائد الجيش على أنه ضروري في ظل غياب رئيس الجمهورية.
أين الأميركيين من قائد الجيش؟
يبقى في الخانة “الأميركيون”. هل أنهم ما زالوا أصحاب مصلحة في بقاء عون أم أنهم تجاوزوا الفكرة حين تكون مصالحهم مضمونة ضمن المؤسسة؟
عملياً، لا يترك “القائد” إنطباعات إيجابية لدى الأميركيين، لا سيما خلال الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى تراجع أسهمه في الملف الرئاسي داخلياً وخارجياً، ما أخذ البعض إلى الظن أن ولايته الممدّدة لم تكن إلا لغرض عسكري بحت كان من شأنه عدم ترك قيادة الجيش في فراغ، أو أنه شكّل معبراً ضرورياً للتوصل إلى حلول تعفي الجيش من الفراغ.
تردّي العلاقة بين “القائد” و”البيك”
بعيداً عن كل ذلك وعن المسائل القانونية، ثمة قضايا وفّرت أسباباً لضرورة التخلّص مما يجري في قيادة الجيش، والأهم ما رصد عن وجود تراكمات و”جمود” على خط العلاقة بين المختارة واليرزة، ما دفع بالأولى إلى المبادرة في اتجاه تسوية وضع رئيس الأركان. فما وصل إلى المختارة من معطيات، يشير إلى طريقة تعاطي قيادة الجيش سواء مع المتطلبات السياسية في المؤسسة العسكرية أو بالنسبة إلى ملفات العلاقة مع الضباط، وما شمل بعضهم من قرارات وصفت بـ”الكيدية” أو من خلال “المشاريع الإجتماعية” التي حملت طبائع الإستفادة من موقع الجيش، أو في مسألة العلاقة “غير المعهودة” بين القائد ووزير الدفاع، وأيضاً رئاسة الأركان مع ما يتخلّل ذلك من توفر استفادة واضحة لـ”القائد” من إبقاء وضع اللواء عودة معلّقا،ً ومساهمة فريقه في نشر معطيات تفسِّر قانون الدفاع على نحو عدم جواز تسلّم رئيس الأركان قيادة الجيش، حيث أن القانون يخوّله الإنابة عن القائد في حالة المرض أو السفر فقط.