رسائل دبلوماسيّة وأخرى دموية…
محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
توقفت مصادر لبنانية رفيعة أمام ما كشفه وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب، بأن إسرائيل أبلغت لبنان رسالة عبر وسطاء مفادها أنها غير مهتمة بوقف النار في الجنوب، حتى بعد التوصل إلى وقف للنار في غزة. وقالت المصادر إن الموفدين الأوروبيين إلى لبنان كانوا أبلغوا هذا الموقف للمسؤولين اللبنانيين، إضافة إلى أن الوسيط الأميركي أموس هوكستين، كان أبلغهم بموقف مماثل في زيارته قبل الأخيرة لبيروت، بأن تل أبيب لا توافق على أن ينسحب وقف النار في القطاع على الجبهة الجنوبية، ما لم يستجب «حزب الله» بإبعاد «قوة الرضوان» من البلدات الواقعة على تماس مع حدودها الشمالية، إلى عمق يتراوح بين 10 و12 كيلومتراً، لضمان عودة سكان مستوطناتها إلى أماكن سكنهم في الشمال الإسرائيلي، بعد أن اضطروا للنزوح منها تحت ضغط صواريخ الحزب التي استهدفتهم.
ولفتت المصادر السياسية إلى أن لبنان الرسمي فوجئ بالطرح الذي حمله هوكستين، واقترح طرحاً آخر ينطلق من أن عودة الهدوء إلى الحدود اللبنانية – الإسرائيلية تكمن في تطبيق القرار 1701، شرط أن يلتزم الطرفان بتنفيذه، وألا يقتصر على الجانب اللبناني، في ظل تمادي تل أبيب بخرقها المجال اللبناني، براً وبحراً وجواً، وفي مواصلتها احتلال قسم من أراضيه.
وكان سبق للحكومة اللبنانية أن تحفّظت على الخط الأزرق ولم تعترف به على أنه خط الانسحاب الشامل، ما لم تبادر إسرائيل إلى إخلاء عدد من النقاط الحدودية المتداخلة التي يُفترض أن تخضع للسيادة اللبنانية، طبقاً لترسيم الحدود بين البلدين، والمعمول به دولياً استناداً إلى ما نصت عليه اتفاقية الهدنة عام 1949.
وفي هذا السياق، قالت مصادر لبنانية لـ«الشرق الأوسط»، إنه سبق للبنان أن رفض التنازل عن حقه في بسط سيادته الكاملة على النقاط الحدودية المتداخلة، في مقابل مقايضته بأرض تشكل جزءاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ورأت أن تهديد رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، بإعطاء أوامره للجيش الإسرائيلي بالاستعداد لتغيير الوضع في الشمال الإسرائيلي، لم يحمل أي جديد، وكان سبق له أن أطلق تهديدات مماثلة للبنان بعد أيام على قيام «حزب الله» بمساندته لـ«حماس» في غزة.
وأكدت أن تهديداته للبنان تأتي من باب التهويل والضغط لضمان انكفاء «حزب الله» من جنوب الليطاني، إلا في حال استحصل على ضوء أخضر أميركي، وهذا ليس متوافراً له حتى الساعة. وقالت إنه يستخدم تهديده ليصرف الأنظار عن ملاحقته من قبل عائلات الأسرى المحتجزين لدى «حماس»، واتهامه بتعطيل المفاوضات للتوصل إلى وقف النار في القطاع كممر إلزامي للإفراج عن أسراهم.
وأضافت أنه يريد أيضاً التفلت من الحصار المضروب عليه من قبل عشرات الألوف ممن أخلوا بيوتهم في المستوطنات الواقعة بالشمال الإسرائيلي، واضطروا للنزوح إلى مناطق آمنة، رغم أنه تعهد لهؤلاء بأن يعيدهم إلى أماكن سكنهم قبل بدء العام الدراسي، ولم يفِ بوعده مع استئناف الدراسة.
ورأت المصادر أن نتنياهو يطلق تهديده للبنان من حين لآخر، وقالت: ما الذي منعه من اللجوء لتغيير الوضع في الجنوب مع استهداف الحزب للجليل بشقيه الأعلى والغربي بهذا الكم من الصواريخ والقذائف، إضافة إلى استخدامه المسيرات؟ وماذا كان ينتظر؟ وعلى ماذا يراهن لاستدراج الولايات المتحدة الأميركية للدخول في صدام مع إيران كونها، من وجهة نظره، الداعم لـ«حزب الله» الذي يشكل إحدى أقوى أذرعها في المنطقة؟
وبرغم أن المصادر تقول إن نتنياهو أراد، في ظل تعثر المفاوضات في غزة، أن يحدث تغييراً في المشهد العسكري بالالتفات إلى الجبهة مع لبنان، بذريعة أن من قرر إسناد «حماس»، في إشارة إلى «حزب الله»، لن يُسمح له بأن يمتلك القرار لوقف النار من دون أي ثمن، بدءاً بإخلاء الحزب للخطوط الأمامية في البلدات الجنوبية المتاخمة للحدود، بالتلازم مع تفكيك مؤسساته وبنيته العسكرية.
وفي المقابل، تسأل المصادر: ما الجدوى من الضغوط التي مورست على إسرائيل توصلاً إلى ضمانات لمنعها من توسعة الحرب، والتي أحيط بها كلٌّ من رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي والوزير بو حبيب، في لقاءاتهم مع الموفدين الغربيين الذين توافدوا إلى لبنان للجم التصعيد ومنعه من الانزلاق نحو مواجهة شاملة؟ وأين يقف هوكستين المكلف بتهيئة الظروف لتطبيق القرار 1701؟
لكن الجديد في تهديد نتنياهو يكمن في أنه قرن تهديداته هذه المرة باستهداف آلية كبيرة تقل عناصر الدفاع المدني، وهم في طريقهم لإطفاء الحرائق التي أشعلها الطيران الحربي الإسرائيلي بقصفه مناطق حرجية في بلدة فرون.
فنتنياهو أراد تمرير رسالة دموية إلى لبنان، عبر الغارة التي أدت إلى استشهاد 3 عناصر من الدفاع المدني، وفيها أنه ماضٍ في منعه الطواقم الطبية وطواقم الدفاع المدني من الوصول إلى مناطق الاستهداف، تنفيذاً لمخططه لتحويل القسم الأكبر من الجنوب، بدءاً بقراه الأمامية، إلى أرض محروقة غير صالحة للزراعة ولا للسكن، وهذا ما يشكل قلقاً للبنان ويدعوه للتحرك فوراً لتوفير الحماية الدولية للمساحات الخضراء في الجنوب.