“الحريري لن يغامر”… “الوزير الملك” خلف تطيير الحكومة؟!

لبنان 28 كانون الأول, 2020

“طارت” الحكومة إلى ما بعد بعد رأس السنة. لم يعد مثل هذا الأمر مفتوحاً على النقاش، أو الأخذ والردّ، بل بات “مسلَّماً به” كأمرٍ واقعٍ، خصوصاً بعد الإعلان عن سفر رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري في “إجازةٍ عائليّة”. إلا أنّه لم يضع حداً لـ “التكهّنات” حول أسباب “تبديد” الإيجابيّة التي ظهرت في الأيام الأخيرة، وإن اتُفِق على وصفها بـ “الوهميّة” و”المزيّفة”.

ثمّة من ردّ الأمر إلى “وطاويط” قصر بعبدا، و”الغرف السوداء” المنتشرة فيه، في “تناغمٍ” مع ما عمّمه المقرّبون من الحريري، عن سابق تصوّر وتصميم، بعد اجتماعه الأخير مع رئيس الجمهورية ميشال عون، وثمّة من وضعه في سياق “حرب الصلاحيات” التي لم تنتهِ فصولاً بين الرجلين، في ظلّ التباين الشاسع بينهما حول تفسير منطق “الشراكة”، وحدودها في عملية التأليف، بمقتضيات الدستور.

لكن، هناك من يغوص أكثر في التفاصيل، بل في تفاصيل التفاصيل التي تمّ الوصول إليها، ليختصر “لبّ” الإشكاليّة بمصطلحٍ سبق أن خبره اللبنانيون جيّداً في الحكومات المتعاقبة، في غمزٍ من قناة “الوزير الملك”، الذي لن “يغامر” الحريري بتكرار تجربته، بعدما “طيّر” حكومته عن بكرة أبيها، في الماضي غير البعيد…

“الجذور”

تعود “جذور” قصّة “الوزير الملك” إلى حكومة سعد الحريري الأولى، التي تشكّلت في تشرين الثاني 2009 على طريقة “المحاصصة” التي طبعت تأليف معظم الحكومات المتعاقبة على لبنان منذ العام 2005 وما قبله، تحت شعار “الوحدة الوطنية” التي تتيح للموالاة والمعارضة “المشاركة” في السلطة التنفيذية، دونما تمييز.

يومها، حصلت الأكثرية على 15 وزيراً، ونال رئيس الجمهورية آنذاك ميشال سليمان حصّة من 5 وزراء، من مختلف الطوائف والمذاهب، فيما حصدت المعارضة ممثَّلةً بالثنائي الشيعي و”التيار الوطني الحر” 10 وزراء، وهي حصّة “تعمّد” المعنيّون بالشأن الحكوميّ حصرها “دون” الثلث المطلوب (أي 11 وزيراً في حكومة ثلاثينيّة) لتعطيل الحكومة وشلّها ومنعها من أيّ إنتاجيّة.

إلا أنّ الواقع أظهر أنّ المعارضة كانت تمتلك هذا الثلث فعلياً بوجود “وزيرٍ ملكٍ” هو الوزير السابق عدنان السيد حسين، الذي كان محسوباً ضمن الحصّة الرئاسيّة، لكنّه يعمل وفق “أجندة المعارضة”، فأطاح باستقالته، تزامناً مع استقالة وزراء المعارضة العشرة، بالحكومة برمّتها، تزامناً مع لقاء رئيسها الرئيس الأميركي باراك أوباما، حيث يحلو لكثيرين “التندّر” عليه بالقول إنّه دخل البيت الأبيض “رئيساً أصيلاً”، وخرج منه “رئيساً مصرِّفاً للأعمال”.

لن يعيدها!

ومع أنّ هذا “السيناريو” يعود إلى العام 2011، أي قبل نحو عشر سنوات من الآن، إلا أنّ “هاجسه” لا يزال مسيطراً على الحريري، الذي يرفض خوض أيّ “مغامرة” يمكن أن تفرض عليه تكرار “التجربة المرّة”، ولعلّه لذلك يرفض بالمُطلَق منح “التيار الوطني الحر” الثلث المعطّل في حكومته، رغم أنّ محيطين به يقلّلون من شأن الأمر، باعتبار أنّ توافر “الثلث” في يد “التيار” ووزيرٍ واحدٍ من “الحلفاء” يكفي ويغني عن أيّ شيءٍ آخر.

وتقول بعض الأوساط المتابعة إنّ “شبح” الوزير الملك كان حاضراً بقوة في المفاوضات الحكوميّة الأخيرة، خصوصاً بعد التسويق الإعلاميّ لـ “مرونة” أظهرها رئيس الجمهورية عبر “التخلّي” عن الثلث المعطّل، تُرجِمت “تصلّباً” في مكانٍ آخر، عبر اشتراط “مقايضةٍ” من هنا، وصولاً إلى ابتكار صيغةٍ “وسطيّة”، تضع أحد الوزراء، قيل إنّه وزير الداخلية، في خانةٍ “رماديّة”، مشترَكة بين الرئيسيْن عون والحريري في وقتٍ واحد، مع أنّ الاسم الذي تمّ تسريبه، ولاقى رفض الحريري، معروف الولاء والانتماء.

باختصار، يقول العارفون إنّ الحريري يخشى من “سيناريو” شبيه بذاك الذي خَبِره قبل عشر سنوات، وهو لا يرى في إصرار “التيار” على “احتكار” الثلث بمفرده دون حلفائه، سوى “نوايا مبيّتة” في هذا الإطار، نظراً للعلاقة الجيّدة بين الحريري و”الثنائي الشيعي”، وهو لذلك لا يبدو مستعدّاً لأيّ “تنازلٍ” يضع مصير حكومته في يد “العهد”، الذي لن يتردّد في “الإطاحة” بها في أقرب فرصةٍ سانحة، وبالتأكيد قبل انتهاء الولاية الرئاسية، تفادياً لسيناريو بات مرجَّحاً بشدّة، ويقضي بأن تصبح الحكومة هي الحاكمة في مرحلة “الفراغ الرئاسيّ”، إن حصلت.

تعكس خشية الحريري من “وزيرٍ ملكٍ” يُزرَع في حكومته، على شاكلة ما شهده في حكومته الأولى، وطيّرها في لحظةٍ فارقة، “فقدان الثقة” الذي وصل إلى أوجه بين المكوّنات الحكوميّة المفترضة. وإذا كان مثل هذا الخوف مبرَّراً، فإنّ السؤال المشروع يبقى حول “المُرتجى” من حكومةٍ تريد “إنقاذ” البلاد، ومكوّناتها عاجزة عن “التأمين” لبعضها بعضاً!

24