ركود في الأسواق.. والتجار: لم يمرّ مثل هذا الوضع علينا
كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
بالرغم من أهمية الاستشارات النيابية غير الملزمة التي أجراها الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، توجّهت انظار ابناء صيدا واهتماماتهم الى المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس المعتذر سعد الحريري والمواقف التي اطلقها خلاله، في محاولة لاستشراف آفاق المشهد اللبناني والآمال المعقودة على النجاح في التأليف سريعاً ووقف الانهيار الاقتصادي والمالي والمعيشي، في وقت شكّل استقرار سعر صرف الدولار على عتبة الـ 18 الف ليرة لبنانية “الباروميتر” لقراءته حالياً لا سلباً او ايجاباً بانتظار المزيد من الوقت ليشير الى اي اتجاه. غير ان هذا الاهتمام بقي مفصولاً عن ارض الواقع وفق المعادلة السائدة “المسؤولون في واد… والشعب في واد آخر” وشتّان ما بينهما، وقد ترجمها مشهد الاسواق التجارية في صيدا: ارباك في سوق المال، حركة ناشطة صباحاً، كل يبحث عن رزقه من التاجر الى بائع الكعك على عربته النقالة، حركة خفيفة بعد الظهر، ومتروكة للاحتجاجات الشعبية مساء رفضاً لتفاقم الازمات، وفي مقدمتها انقطاع التيار الكهربائي وتقنين المولدات الخاصة بسبب نفاد مادة المازوت، فقدان الادوية من الصيدليات والتزام بعضها بالاقفال، طوابير الانتظار على محطات الوقود لساعات، ونشاط غير مسبوق في السوق السوداء وبأسعار خيالية لهذه الاحتياجات ومن دون رقيب او حسيب او بوادر حلول.
عند الرصيف المحاذي لمحله وسط شارع رياض الصلح الرئيسي، جلس حسين قشور وصديقه “ابو محمود” منيف يلعبان طاولة الزهر من قلة الاشغال وحركة البيع، مصحوبة بانقطاع الكهرباء وتقنين المولدات، ويقول قشور لـ”نداء الوطن”: “ان الاوضاع صعبة، لا كهرباء، والاشغال خفيفة والحال تعتير ومن سيئ الى اسوأ” قبل ان يضيف بتنهّد “هذا الوضع لم يمر علينا في السابق حتى في عزّ الازمات والخلافات، يقولون اننا وصلنا الى الانهيار، بل نحن نعيش الانهيار ذاته، ولا شيء أكثر من ذلك”، مشيراً الى ان العبرة ليست بتكليف الرئيس بل بنجاحه في التأليف سريعاً، والاهم ان تكون لدى الحكومة العتيدة خطة اصلاح وانقاذ اقتصادي معيشي تنشلنا من الوادي السحيق من الانهيارات المتوالية والازمات التي نعيشها حتى نشعر ببعض الاطمئنان على مصير البلد وأولادنا فيه”.
لا تختلف آمال الصيداويين كثيراً عن اللبنانيين من مختلف الطوائف والمذاهب والمناطق، فالفقر والجوع وفقدان الدواء والمازوت والبنزين والغلاء والاحتكار وارتفاع سعر صرف الدولار… كلها عوامل وحّدتهم في وجه الطبقة السياسية الحاكمة، ويقول أبو محمود “نريد العيش بأمان من دون خوف من الغد والمصير القاتم، نريد العيش بكرامة بعيداً من ذل السؤال وطوابير الانتظار على ابسط حقوقنا، ونأمل ببرنامج حكومي واقعي سريع التنفيذ، لان الوقت لم يعد لصالحنا وكل يوم يمضي يأتي اسوأ منه”.
في شوارع المدينة وأسواقها التجارية والشعبية والقديمة الراكدة، تلاحظ بوضوح حركة مغتربين ناشطة، تعوض جانباً من الركود، اقبال على محال الحلويات ولا سيما الكنافة، المطاعم والاكلات الشعبية الحمص والفول والفلافل… وتقول فاتن حمود التي كانت تصرف العملة الخضراء (الدولار) من احد محلات الصيرفة لـ”نداء الوطن”: “منذ سنتين وأكثر لم ازر مدينتي صيدا، وتحديداً مع بدء جائحة “كورونا”، هذه الصيفية جئت للاطمئنان على اهلي واقاربي وتفاجأت… كأن انقلاباً حصل أو زلزالاً ضرب لبنان في اقتصاده وعملته الوطنية، لم يعد شيء كما كان، تغير الى الاسوأ، صحيح اننا نصرف الدولار على سعر عال ولكن كل شيء غال ولا قيمة لليرة، واللافت اننا وصلنا الى النوم على العتمة”، قبل ان تضيف بحسرة “يا خسارة، فقد لبنان بريقه ومن الصعب النهوض في القريب العاجل حتى لو جاءت حكومة أتقياء واكفاء”.
امام المحال، لم تعد ظاهرة المولدات الصغيرة الخاصة غريبة، بات البعض يعتمد عليها لملء الفراغ بين انقطاع الكهرباء وتقنين الاشتراكات وتسيير اشغاله، تكسر رتابة السكون بضجيجها وفي نهاية الشهر بشكاوى فواتير ثلاث مضاعفة، “لكن الحياة بلا كهرباء تكون شبه متوقفة”، يقول صاحب “لانجري” احمد كيلاني وخاصة لاصحاب المهن التي تعتمد عليها او تحتاج اليها لتفادي تلف البضائع، مثل محال بيع اللحوم والحلويات والبوظة والمواد الغذائية وسواها”، قبل ان يضيف “قد نصل الى مرحلة اصعب طالما ان المسؤولين غير مبالين وينعمون بالكهرباء والماء والمكيفات على مدار الساعة”.
ومع كل مساء ينقلب مشهد المدينة، يسود عدد من احيائها وحاراتها الظلام على غير عادة، كأنها تغرق في نومها باكراً، فيما المئات من ابنائها يغادرون منازلهم هرباً من العتمة والحر والرطوبة، فيما يهبّ الناشطون للاحتجاج مجدداً في الساحات والشوارع بالاطارات المشتعلة حيناً وحاويات النفايات أحياناً ويتكرّر المشهد..