“التاكسي” اختفى والركاب في الانتظار
كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
“يا شوفير دعاس بنزين، والله ما معي بنزين”، حال شوفيرية التاكسي هذه الأيام، لا بنزين ولا شغل، فالمصلحة تراجعت كثيراً وباتت تحتضر وفق تأكيدهم وهم يُعَدّون صلة وصل القرى بعضها ببعض، ولكن هذه الأيام “ما قادرين نشتغل”، اذ يضيع الشوفير بين تعرفة النقل وبنزين السوق السوداء حيث تنكة البنزين بـ650 الف ليرة، بعد تعذر حصوله على بضع ليترات من المحطة بالرغم من أن له الافضلية. صحيح أن تعرفة النقل وتحديداً التاكسي ما زالت على حالها، غير أن هناك من يضع تعرفته الخاصة ليصمد. “وقت تشتري بنزين سوق سوداء اكيد بدّك تاخذ 20 الفاً بدل نقل بين القرى”، بهذه العبارة يلخص أبو حسين حال الشوفير هذه الايام الذي تُرك لمصيره، فإما يرفع التعرفة ليُكمل، أو يتوقف عن العمل. وبينهما يجلس أبو حسين قرب سيارته عند موقف شوكين كفرصير القصيبة، ينتظر زبوناً عابراً بات صعباً العثور عليه.
في موقف التاكسيات تتعرّف على شوفير “تعبان من حاله الصعبة”، على سائق بات ليلته عند محطة المحروقات ولم يوفق في ملء خزان سيارته ليخرج الى عمله. هنا تتعرّف على واقع شريحة مهمة من المجتمع اللبناني باتت تحتضر، فمعظم وقت الشوفير يمضيه على المحطة، وما تبقّى من وقت بالكاد يوفق فيه بزبون بـ10 آلاف ليرة. لا يتوانى أبو حسين وأبو ابراهيم عن القول: “صار الشوفير مهمّشاً بعدما كان ملكاً”، جرى التعاطي معه على انه سلعة تباع وتشترى بدلاً من تخصيص بنزين له ليعمل. بحسب ابو ابراهيم “كفاف يومنا لا ننتجه ونخشى اعطال السيارة”، جازماً بأنه لم يرفع تعرفة النقل “بقيت بـ7000 ليرة، لحين صدور التعرفة الجديدة”، لكنه يؤكد وجود “من يفرض 20 الفاً بدل نقل بين القرى”، وهو ما حدّ من التنقّل.
يردّد ابو ابراهيم عبارة “هالسيارة مش عم تمشي بدا شوي بنزين ودفشة”، فالتاكسيات اختفت من الطرقات، بالكاد تعبر سيارة تاكسي هنا او هناك، فمعظمها بلا بنزين او ينتظر التعرفة الجديدة. بعدما دخلت مهنة التاكسي غرفة الانعاش، وحده البنزين ينعشها غير أن لا دعم لها، ما يضعها على خط المواجهة بين التوقف عن العمل وبنزين السوق السوداء وأحلاهما مرّ وفق تأكيد معظم الشوفيرية الذين ينظرون الى قطاعهم يحتضر ولا يملكون حلاً له.
“عم نموت من القهر” يقول أبو محمد مؤكداً أنه يفرض تسعيرته وفق البنزين الذي يشتريه، من المحطة سعر وبالسوق السوداء سعر آخر، جازماً بأن “الشوفير يواجه الُمرّين كل يوم. ففي مقابل معاناته مع البنزين يقف أمامه غلاء قطع صيانة السيارة، فالشوفير الذي يعمل بـ100 الف بالنهار، يدفع مقابله 150 الفاً اصلاح برغي في السيارة”. ينفخ دخان سيجارته ويتأمل سيارته المتوقفة عن العمل “مش حرام مهنة الذهب يصير فيها هيك”؟ وأكثر ما يؤلمه أن الضمان يلاحقهم “ع الدعسة” وحجّتهم، وفق قوله “مش عم نشتغل، وغاب عن بالهم أن دعسة البنزين لا تعمل لانه نفد، ويصعب عليّ شراء التنكة بـ500الف من السوق السوداء”…
في الطرقات لا حركة تاكسيات ولا حتى فانات، وحدهم الركاب ينتظرون ويخشون من التعرفة، فالفان رفع تعرفته الى 15 الف ليرة، وهي تعرفة ستحدّ من تنقّل الناس، وهذا ما اكد عليه يوسف شوفير التاكسي على خط القرى، مشيراً الى ان “الناس توقفت عن التنقّل وظروفها صعبة كحالنا”، ويقول بحسرة “اذا طلبنا 10 آلاف من الزبون يصرخ وكأنه لا يعيش في هذا البلد، شو بتعمل الـ10 آلاف؟ كل عطل سيارة يكبّدنا خسائر كبيرة، الافضل ان نترك المصلحة “.
راحت مهنة التاكسي وبات وضعها اشبه بلبنان، قبل الازمة كان شوفير التاكسي ملكاً غير أن حاله يرثى لها هذه الأيام، يمضي نهاره متنقّلاً بين محطة واخرى بدلاً من العمل على خطوط القرى ينقل الناس، يواجه مصيراً مأسوياً والحق “عالطليان” طالما الدول “مش سئلانة” عن هذا القطاع الحيوي، ما دفع بكثر للتخلي عن المهنة وايقاف سياراتهم ريثما تحلّ المعضلة الاساسية، البنزين.
في النبطية يعتبر التاكسي عصب القرى، كان الاهالي يعتمدونه للتنقّل بين بلدة واخرى، او لقصد المدينة للتسوق، وفيما كان متوقعاً أن تنشط المهنة مع تفضيل المواطن التنقّل بالتاكسي على سيارته لتوفير البنزين، الا ان الواقع بات مغايراً، فالقطاع يحتضر بكل ما للكلمة من معنى، هو متروك بلا سند كما قال احد السائقين.