حسابات حرّكت مئات ملايين الدولارات.. و”دزينة” دعاوى أميركية

اقتصاد 26 آب, 2020

منذ فترة وجيزة، نشرت وكالة”Bloomberg” تحقيقاً مفصلاً فضحت فيه العلاقة بين شركة”IMMS” النفطية و”Bank Med”. خلفية التقرير كانت البلبلة التي أُثيرت جرّاء محاولة “IMMS” سحب وديعتها البالغة مليار دولار، الا ان “بنك البحر المتوسط” امتنع عن ردها. هذا الامر دفع بالشركة التابعة لرجل الاعمال الباكستاني الأصل مرتضى لاخاني(Murtaza Lakhani) بالادعاء في محكمة ولاية نيويورك على المصرف اللبناني. اتّهم القضاء الأميركي البنك اللبناني بعدم ردّ وديعة بمليار دولار بعد المطالبة بها، وذلك بعدما أنهى جميع التسهيلات الائتمانية للشركة بحجة “التغيّر الجوهري المعاكس في الوضع الاقتصادي للبنان والسوق المالية اللبنانية”.

الخطورة في ما وثّقته “Bloomberg” تكمن في التحويلات اليوميّة المالية بملايين الدولارات والتي كانت تتم بدءاً من احد فروع مصرف روسيّ في زيورخ، مروراً بـ “Citigroup Inc” في نيويورك وصولاً الى “بنك ميد” في لبنان من دون أي تدقيق من قبل النظام المصرفي اللبناني لتتبّع مصادر الأموال المحوّلة، خصوصاً وان القطاع المالي خاضع ومنذ فترة لرقابة مشدّدة من قبل الولايات المتحدة، وهو ما تُظهره تفاصيل الدعوى المقدمة في كانون الثاني 2019 بحق 12 مصرفاً لبنانياً في نيويورك بتهمة تسهيل اعمال إرهابية (كما وصفتها الدعوى) وتبييض أموال لحزب الله. تُبيّن الدعوى كيف نما حجم الودائع في الجهاز المصرفي اللبناني بين الأعوام 2006 و2018. فعام 2006، بلغ حجم الودائع 45 مليار دولار 75٪ منها بالدولار الأميركي. اما العام 2018 فلامست الودائع الـ120 ملياراً 70٪ منها في العملة الصعبة. الى ذلك، تُعلّل الدعوى كيف انّ الـ”سيستام” النقدي ككل ومعه التركيبة الاقتصادية يعتمدان بشكل أساسي على تدفقات الأموال المدولرة العائدة الى حزب الله ، وكيف غذّت ودائع المغتربين سياسة الافراط بالاقراض العشوائي وهو ما انعكس راهناً على قدرة المصارف – التي خالفت كلّ المعايير العالمية – في إعادة الرسملة. وهو ايضاً ما يُترجم في سلبية ميزانيات المصارف المتلاعب فيها لا سيما خلال الأعوام الـ3 الأخيرة.وهو ما يمكن للمناسبة ربطه في قضية تفجير المرفأ في حال تبيّن ضلوع احد الافرقاء المحليين وتسببهم ولو بطريقة غير مباشرة في الزلزال الكبير الذي أزال مدينة بيروت.
دعوى غشّ وسرقة واحتيال في نيويورك على “المركزي” وثلاثة مصارف لبنانيّة
بعد تسييل العقارات دولارات… تسديد الودائع “سندات”!

لكن، وبالعودة الى تقرير” Bloomberg” وعن كيفية دخول وخروج أموال بملايين الدولارات لشركة تتعاطى التجارة النفطية مع شركات بعضها مدرج على اللائحة السوداء لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، ولدى التوغّل في التفاصيل المصرفية كافة، كثيرة هي التساؤلات المشروعة التي تُطرح: فكيف مرّت دفعات “قد” تكون مشبوهة كهذه من امام أعين لجنة الرقابة على المصارف المعروفة بافتقارها الى استقلاليتها ومعها جهاز المصارف وجمعيته وهيئة مكافحة تبييض الأموال؟ في هذا الاطار، لا بدّ من التوقف عند نقطة واحدة وهي استخدام ” أكثر من مصرف كمركز مقاصة لثروة النفط المكتشفة حديثاً في كردستان من دون ان تُثار حفيظة “جهاز” اعتاد طلب مئات الأوراق والمستندات والاثباتات في حال أراد مودع ما تحويل اكثر من 10 آلاف دولار من حساب الى حساب آخر… أوهكذا تكون الحال عندما ترتبط القضية بالبترو-دولار وبشدّ الحبال للهيمنة على موازين القوى في الشرق الأوسط؟!.

عن الموضوع، تقول الأستاذة الجامعية والباحثة في القوانين المالية والمصرفية د. سابين الكيك في حديث لـ”لبنان24″ أنّ “المصارف ملزمة بموجب تعميم مصرف لبنان الأساسي رقم 83/2019 بتطبيق نظام مراقبة صارم ودقيق لناحية العمليات المالية والمصرفية، ليس فقط تجاه العملاء مباشرة ولكن أيضاً تجاه المصارف الأجنبية المراسلة في الخارج، وذلك لاتمام اجراءات العناية الواجبة تنفيذاً للقانون رقم 318 تاريخ 20/04/2001 والمتعلق بمكافحة تبييض الأموال.
في هذا الإطار، وُضعت على المصارف قواعد صارمة للقيام بما يتيح التوصل إلى داتا واضحة في ما خصّ حسابات الدفع (Payable through accounts)
المفتوحة لديها من قبل المصارف الأجنبية المراسلة، وللتأكد من قدرتها على توفير معلومات العناية الواجبة ذات الصلة عند الشك أو عند الضرورة.
لذا، على المصرف أن يحتفظ بكلّ المعلومات عن كل عميل وعن صاحب الحق الاقتصادي (Owner Beneficial) . وتبقى ملفات الحسابات محفوظة لمدة خمس سنوات على الأقل بعد إقفال الحساب أو إنهاء علاقة العمل كما وجميع المستندات المتعلقة بالعمليات كافة بما يشمل المراسلات التجارية ونتائج اي تحليل يتم إجراؤه، بحيث يمكن أن تشكل هذه السجلات عند الضرورة دليلا للادعاء ضد أي نشاط جرمي. من هنا تبدو عملية التحقيق الجنائي، مرصد اهتمام دولي وليس فقط اهتمام لبناني”.
وتضيف الكيك”لا شك، أن للمجتمع الدولي مقاربة متقدمة للأزمة اللبنانية أثبتت عمق انهيار النظام ككل، السياسي والمالي والأمني. وبات القطاع المصرفي جزءًا لا يتجزأ من منظومة الفساد الممتد على مدى عقودٍ من الزمن.إن متابعة قضية “بارتليت” أمام المحاكم الأميركية تنبئ عن تشدد كبير نحو المصارف اللبنانية خاصة تلك المدعى عليها، ومع ثبوت تورط مصرف لبناني في عملية تبييض أموال أخرى حتماً، سيصبح الوضع أسوأ وأخطر.إنقاذ القطاع المصرفي عبر ضخ أموال جديدة لن يتم الا لمصارف ”جيدة“ بعيدة كل البعد عن شبهات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.الخطط المالية وحدها لن تكون كافية للنهوض بقطاع مصرفي سليم، اذ لا بد أن تترافق مع اجراءات محاسبة ومساءلة استعداداً لمرحلة جديدة من الالتزام الفعلي والملموس بالمعايير الدولية لناحية الحوكمة والشفافية. المطلوب اداء مصرفي ”كمّي-نوعي“ لا غبار عليه”.

باختصار، وبصرف النظر عن الخلفيات الجنائية لهذا الملف، وحتى ثبوت ما أوردته”Bloomberg”، بصورة رسمية. يمكن القول ان وديعة “IMMS” كأي وديعة أخرى، تعطي صاحبها الحق باسترجاعها او باستعمالها حسب مقتضيات الحاجة. ولعل هذه التسوية تعتبر مثالًا صارخاً لاهمية الملاحقات القضائية الجدية، إن لم يكن بهدف صدور حكم قضائي مبرم، أقله بغية الحصول على ورقة ضغط لابرام تسوية مناسبة للعملاء بما يضمن حقوقهم المغتصبة من قبل المصارف.

24