عام الغلاء… لماذا توشك أسعار الغذاء و”كل شيء آخر” على الانفجار؟
أصبح تضرر مختلف الصناعات أكثر احتمالا مع استمرار ارتفاع أسعار الوقود، إذ تواصل تكلفة النفط والغاز في الارتفاع إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، وتواجه الشركات حول العالم صعوبة في ضبط التكاليف، ما قد يضطرها إلى نقل العبء إلى المستهلك النهائي.
زادت أسعار البنزين بشكل كبير للغاية هذا العام، مع انتعاش قوي للنفط الخام بعد عام صعب من القيود الوبائية وانخفاض الطلب، وفي حين ترتفع مستويات الإنتاج ببطء، تجد بعض الدول صعوبة في الوصول إلى أهداف أوبك الجديدة، مما يعني استمرار النقص العالمي، بحسب تقرير لموقع “أويل برايس”.
وبالنظر إلى سعر البنزين خلال العشرين عاما الماضية، يتبين أن المتوسط العالمي تضاعف، من 0.60 دولار للتر في عام 2001 إلى 1.20 دولار للتر اليوم.
هذا العام، على وجه الخصوص، كانت الزيادة في الطلب مع انفتاح الاقتصادات مجددا بعد أكثر من عام من القيود، إضافة إلى نقص الإمدادات في معظم أنحاء العالم، تعني أن الأسعار تقترب من أعلى مستوياتها على الإطلاق.
ويبدو أن هذا الاتجاه لم ينته بعد، حيث يرى الخبراء أن سائقي السيارات في جميع أنحاء أوروبا وآسيا يمكن أن يتوقعوا ارتفاع تكاليف البنزين والديزل في أشهر الشتاء، خاصة مع بقاء الخام القياسي العالمي “برنت” قرب سعر 85 دولارا للبرميل.
ويضاف ذلك إلى عوامل مثل، زيادة الطلب على الوقود، والضرائب على وقود السيارات في دول مثل الهند وفرنسا والمملكة المتحدة، التي لا تزال ثابتة عند نحو 60% من سعر التجزئة للبنزين والديزل.
ماذا يعني هذا للصناعات الأخرى؟
بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود، يشهد العالم ارتفاعا في تكاليف الطعام والشراب، حيث وصل متوسط أسعار المواد الغذائية إلى أعلى مستوى خلال عقد من الزمان وكان أكثر بمقدار الثلث في سبتمبر الماضي.
تقول كبيرة الاقتصاديين في مؤسسة “كير ريتنغس” للأبحاث في الهند، كافيتا تشاكو، إن تكلفة الوقود المرتفعة تضغط بدورها الأسعار الإجمالية وتشكل خطرا على التعافي بشكل عام. وأدى الارتفاع في تكاليف النقل بالفعل إلى نمو التكاليف في القطاعات المختلفة وقد يثبط الإنفاق الاستهلاكي”.
في ظل العولمة والتي تعني أن طعام الشعوب لا يأت بالضرورة من المزارع المحلية ولكن يشحن في الغالب من جميع أنحاء العالم، ومع تضخم أسعار الأسمدة، تواجه سلسلة التوريد الغذائي صعوبة في الحفاظ على أسعار مستقرة.
كبير الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، عبد الرضا عباسيان قال لوكالة “بلومبيرغ”، إن هذا المزيج من العوامل “يثير القلق للغاية”، مضيفا: “لا أعتقد أن أي شخص قبل شهرين أو ثلاثة كان يتوقع أن ترتفع أسعار الطاقة إلى هذا الحد”.
ليس الغذاء فقط
لكن سلسلة التوريد الغذائي ليست الشيء الوحيد الذي يجب أن يقلق الناس بشأنه عندما يتعلق الأمر بالتأثير غير المباشر لارتفاع أسعار النفط.
وبصراحة أكبر، فإن أي صناعة تعتمد على النفط في صورة وقود أو أسمدة أو بتروكيماويات أو أي منتجات أخرى ذات الصلة، ستشعر بالضغط في الأشهر المقبلة، إذا لم تكن كذلك بالفعل، وهذا يعني أن تكلفة العديد من المنتجات الاستهلاكية والنفقات الأساسية قد ترتفع قريبا.
كل ذلك يشكل “قنبلة موقوتة” للاقتصاد العالمي، والتي يقول عنها توم كلوزا، الرئيس العالمي لتحليل الطاقة في “أو بي آي إس” التابعة لمؤسسة التحليل والدراسات العالمية “آي إتش إس ماركيت” إن “كل ركن في الاقتصاد” يمكن أن يتأثر، حيث يميل كل شيء إلى التنقل عبر البلاد بالشاحنة أو بالقطار، لذلك سيكون العام القادم أكثر تكلفة لذلك”.
بشكل أساسي، من المحتمل أن يتأثر أي شيء يتم استخدامه في نقل البضائع وأي صناعة تعتمد على الوقود أو البتروكيماويات بالارتفاع المستمر في أسعار النفط. وفي حين يشعر المستهلكون بالقلق بشأن أسعار البنزين والديزل في الوقت الحالي، فإن هذا مجرد غيض من فيض.
الأكثر تضررا
سيكون الأكثر تضررا من جراء هذه التغيرات، أولئك الذين يعيشون في الاقتصادات النامية التي لا تزال تكافح من أجل التعافي من تأثير الوباء.
مع الانتعاش الاقتصادي غير المتكافئ، بسبب تأخر طرح اللقاحات واستمرار القيود الوبائية في العديد من البلدان منخفضة الدخل، يمكن أن يجبر ارتفاع أسعار الوقود والتأثير غير المباشر على الصناعات الأخرى – خاصة الغذاء – الحكومات على توفير محفزات اقتصادية لأفقر فئات السكان، فضلا عن فرض سقف لأسعار الوقود.
السيناريو الوحيد المؤكد حتى الآن، أن الأمر سوف يزداد سوءا قبل أن يتحسن. أولئك الذين يعملون في الزراعة والصناعة قد تلقوا الضربة بالفعل وهي مسألة وقت فقط حتى يتم تحويل عبء السعر هذا إلى المستهلك، ليس فقط فيما يتعلق بالوقود ولكن عبر العديد من المجالات في حياته اليومية.