مِن زمن “الخَليلَين” إلى زمن “الدافيدَين”

لبنان 14 تشرين الأول, 2020

كتبت

Aya Hamdan

“ليبانون ديبايت” – روني ألفا

مرّةً جديدةً تعودُ بعضُ القيادات المسيحية الى تبنّي نوعٍ نادرٍ من مرضِ تأليهِ الذات. يمكنُ تشخيصه بسهولةٍ عبر مواقفَ هي أشبَهُ بغدةٍ سياسيّةٍ مسرطنة . شعورٌ بالإنتفاخِ الوهمي وبقوةٍ سورياليةٍ مفرطة . يعودُ هذا البعضُ الى المربّع الأول: ” حرب تحرير “. إنما ضد الحليف هذه المرة . بعبارةٍ أوضح، بدأَ يُسمَعُ إطلاقُ النارِ السياسي بغزارةٍ على تفاهم مار مخايل وهو حالياً في حالَةٍ حرجة.

هناك من بدأَ يُديرُ أُذناً صاغية لل” دافيدَين ” هيل وشينكر وأخرى صمّاء لل ” خليلَين ” حَسَن وعَلي . والحالة هذه فإن التماهي التدريجي مع ” التطبيع ” بات من الممكنات. بالطبع لن يحدث غداً، إنما وسائل تسويق الأميركي والإسرائيلي لفتح شهية البعض عليه لن تكون مستحيلة على ما يبدو.

حتى لا ننسى وللأمانة التاريخية، لا بدَّ أن نشير الى أن هذا البعض صاغَ تحالفه مع الشيعة في لبنان على قاعدتين: العداء الإستراتيجي لإسرائيل والعداء التكتيكي تجاه ما اصطُلِح على تسميته ب ” عملائها ” في الداخل. حول الثانية استفاد البعض هذا وحصد أصوات ناخبيه على خلفية تعميق الهوة بين قواعده من جهة وخصومه المسيحيين من جهة أخرى. هدية شيعية من دون مقابل لحليف مسيحي كان بأمسّ الحاجة إليها.

يبدو اليوم خصم التيار الوطني الأساسي على الساحة المسيحية في غاية الإعتدال بالمقارنة مع الغُلوّ الذي رسمته مواقف التيار الأخيرة . لا يُستَنتَج منها أقل من محاولة لإطلاق ديناميتَين: أولى تحت عنوان “الأمر لي ” على الساحة المسيحية. أخرى عنوانها تجريد اتفاق مار مخايل من روحه. نصٌّ منزوعُ الروح يعني سقوطُ التحالف الإستراتيجي وحلول صراع في غاية الخطورة بين أكبر كتلة مسيحية من جهة وبين والشيعة من جهة أخرى. صراع سيكونُ على كل شيء تقريباً. لا ينفَعُ بعد هذا التصدّع إصدارُ بيانٍ منمّقٍ يؤكدُ على صلابةِ التحالف بين التيار من جهة والحزب والحركة من جهة أخرى. سيكون إصدار بيانات خشبية بمثابة ” ولدنات ” لا تسمِن ولا تُغني.

التكامل بين مواقف التيار الأخيرة والتباسات تشكيل الوفد المفاوض في الناقورة هو فرضية منطقية. على الأقل قابلة للنقاش. إتفاق إطار صيغ بعناية على مدى عشر سنوات أُطيح به بعشر دقائق. موقفٌ لا يُحسَدُ عليه لبنان ولا الجيش في المعركة الشرسة التي سيواجهها مع عدوٍ كانَ يعرِفُ عدَّة نقاطِ ضعفٍ عنا فأضاف في اليومين الماضيين واحدة جديدة هي الأخطر. عدم توافق لبناني لبناني على العملية التفاوضية سيعطي الإسرائيلي هدية مجانية. تأليب طرف على طرف. تأليب فريق سياسي على المقاومة. ثغرة خطيرة يمكن أن تتحول الى كمين. ليس مستبعداً والحالة هذه أن نكون على أبواب تعطيل المفاوضات غير المباشرة بالأمن تارة وبالضغوط تارة أخرى. نستهلُّ الجلوس في مواجهة العدو بخاصرة رخوة. بالطبع الجيش سيؤدي دوراً وطنياً خالصاً ونظيفاً إنما سيكون على السياسة أن تحميه. أن يُتَّهَم الشيعة بالتعطيل وعرقلة تشكيل الحكومة وبإبراز المداورة كأزمة وطنية سيعطي حكماً للإسرائيلي أدوات جديدة وخطيرة لضرب ما تبقى من وحدة وطنية.

الإتفاق الإطار في خطر والمفاوضات على الترسيم في خطر. بدل التركيز على الترسيم أطلقت الكنيسة ومعها أغلب القوى المسيحية معارك الحياد وتعديل الدستور. العقل الباطني المسيحي خرج من عقدة الأقلية في زمن شبلي الشميّل وفرح أنطون وميشال عفلق وأنطون سعادة ثم دخل اليها من جديد مع بعض القوى المسيحية الجديدة. بُنيَةٌ هشّة للعقل الباطني مستعدة لتدمير الصيغة بدل تطويرها. لا بأس بالنسبة لهؤلاء أن تمر العملية التدميرية باستنهاض بشعٍ للحروب المسيحية المسيحية العبثية. الصراع على قيادة المسيحيين دافع أساس. في 13 تشرين هذه السنة تلاقٍ إستراتيجي مع عقيدة حزب القوات: حياد. لامركزية ادارية موسعة. تلاقٍ تكتيكي أيضاً في رفض مبدأي لكل من الطرفين تكليف الحريري. ما معنى والحالة هذه أن يغمز التيار من قناة العراضات العسكرية في مناطق عدة وصولاً الى ميرنا الشالوحي؟ صراع على من يملك القرار المسيحي . حرب إلغاء بكل معايير المقارنة بسابقتها في أواخر الثمانينات.

عزلةٌ مسيحيةٌ تامة. خلافٌ على السلطة في البيئة المسيحية. خلافٌ لا يبدو أنه سيكون تكتياً هذه المرة مع الشيعة. خلافٌ مع أبرز زعماء السنة. رهانٌ على مغامرةٍ جديدةٍ وجحيمٍ جديدٍ سيدفعُ المسيحيونَ مرّةً أخرى أثمانه الباهظة. التاريخ يعيدُ نفسه. يعيدُنا معه ثلاثين سنةً الى الوراء حيثُ الجنونُ والتفاهةُ أودَت بِنَا الى الجحيم.
ld