الاختبار الأهمّ: تشكيل حكومة ثقة

لبنان 24 تشرين الأول, 2020

كتبت

Aya Hamdan

بعدما اجتاز اختبار التكليف بنجاح، بدأ اختبار التأليف الأكثر صعوبة، فالرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري يعرف أكثر من غيره أن عنصر الوقت ليس في جانبه، وأنه لا يملك مساحة زمنية طويلة لاجتياز الاختبار الثاني، وأنه مضطر لتبريد سريع مع شريكه في التأليف رئيس الجمهورية ميشال عون الذي تلقى بتكليف الحريري ضربة معنوية موجعة يمكن أن تترك آثارها على سلوكه في المرحلة المقبلة، ولا سيما أنه قد يكون مدفوعاً بمصالح صهره النائب جبران باسيل الذي يحتاج إلى إجراء مراجعة لوضعه ربما بالتهدئة مع الحريري لتلمس المرحلة المقبلة، والعودة إلى “طموحاته” الرئاسية السابقة.

لا يملك الحريري كثيراً من الوقت لكي يستولد حكومته الرابعة، ولا يمكن له الركون طويلاً لعنصر مساعد، ولكن متقلب، ألا وهو الهبوط المطرد للدولار الاميركي في السوق السوداء. ولكن الحريري العائد إلى رئاسة الحكومة يعرف أيضاً، وبصرف النظر عن دعم مؤيديه ومحبيه، أن الرأي العام اللبناني مسكون بشكوك كبيرة إزاء الطاقم الحاكم من دون استثناء، وبعضهم يعتبر أن عودة الحريري إلى السرايا الكبيرة هي عودة إلى يوم السادس عشر من تشرين 2019، وأن الطاقم السياسي يستكمل إعادة إنتاج نفسه من خلال اعادة الحريري إلى رئاسة الحكومة، ويقلب صفحة “انتفاضة” كبيرة قام بها لبنانيون من كل المناطق والملل، احتجاجاً على سوء الحكم، والحوكمة، وأسلوب ادارة البلاد الذي اعتُمد على مدى سنين طويلة.

هذه الحقائق يدركها الرئيس المكلف الذي ستقع عليه مسؤولية الوفاء بوعوده للبنانيين وللمجتمع الدولي بتشكيل حكومة تكون محل ثقة، وتشكل “صدمة إيجابية” تمكّنها من الانطلاق في مهمة وقف الانهيار الشاقة التي تعهد بها غداة تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة.

إذاً، أبعد من تشكيل سريع للحكومة المقبلة، يحتاج الحريري ان ينجح في اقناع شركائه في الحكومة العتيدة، وفي المقدمة “الثنائي الشيعي” بإرخاء قبضتهما على مستوى تسمية الوزراء الشيعة المرشحين لتولي حقائب في الحكومة، فلا تطغى عليها رائحة الخضوع الاعمى للثنائي، كما كان الحال حتى الآن. هذا الامر يجب ان ينطبق على الرئيس ميشال عون المعروف بتمسكه بتسمية وزراء مسيحيين يديرهم وصهره فوق الطاولة وتحتها على حد سواء. كما وينطبق الامر على بقية الاطراف الراغبين في التسمية، هذا اذا ما كان في حسابات الحريري فتح باب التسميات من خارج “دفاتره” طمعاً بنيل ثقة مجلس النواب من دون عقبات.

هذا هو التحدي الكبير الذي سيواجه سعد الحريري، ويختصره سؤال: كيف سيوفق الحريري بين الكفاءة والاختصاص، وهوامش العمل الحكومي المتحرر من القيود المعروفة، وبين إشعار القوى السياسية انها شريكة، ومشاركة، وعليها ان تدعم التشكيلة التي سيتقدم بها. هنا وجه الصعوبة في موازنة ما ينتظره الناس، مع ما تنتظره القوى والاحزاب، وما يستطيع ان يقدمه الرئيس المكلف تشكيل الحكومة. وانطلاقاً من شكل الحكومة، والاسماء التي سيتم اختيارها، سيكون الحكم الاول على مهمة الحريري، لكي ينتقل بعدها إلى الاختبار الاصعب، ألا وهو انقاذ ما يمكن انقاذه من المركب اللبناني المتهالك.

ما من شك ان الرئيس الحريري يدرك ايضاً ان مهمته ليست سهلة، وأن التفاؤل الحذر الذي يواجه به عبر انخفاض سعر صرف الدولار، يقابله حذر حقيقي في الداخل والخارج ليس بسبب تسميته كشخص، وهو يمتلك شرعية تبؤ الموقع في ظل التركيبة الطائفية للبلد، ولكن بسبب انهيار الثقة الخارجية والداخلية بكل الطاقم السياسي الحاكم في لبنان بغض النظر عن الاشخاص، او مقدار مسؤولية كل واحد منهم في ما آلت إليه الاوضاع. إنها مهمة شاقة، والبعض يعتبر انها مغامرة، والبعض الثالث يرى فيها عملاً “فدائياً” في زمن لم يعد فيه المنصب في لبنان “تشريفاً” بل حقاً تكليف!
المصدر: “النهار”