كتبت كارول هاشمية: لبنان بين حربي 2006 و2024: من دعم عربي ودولي إلى انهيار وخسائر فادحة

اخبار بارزة, اقتصاد, خاص, لبنان 26 تشرين الأول, 2024

شهد لبنان عبر تاريخه العديد من الحروب المدمِّرة التي تركت آثاراً كارثية على اقتصاده و من أبرز تلك الحروب، حرب يوليو/ تموز عام 2006، حينها اندلعت حرب شاملة استمرت 33 يوماً بين إسرائيل وحزب الله، كانت كفيل بتدمير أجزاء واسعة من لبنان.

ويتجدَّد مشهد الصراع بين إسرائيل و حزب الله ، اليوم و لكن بقواعد مختلفة جداً وخصوصاً على الصعيد الاقتصادي؛ ففي أيام حرب تموز 2006 كان لبنان يتمتع باقتصاد واعد ونمو متوقع يتراوح بين 4% و5%، بالإضافة إلى ذلك كان لدى لبنان رئيس للجمهورية وحكومة فاعلة تعمل على إنهاء الحرب وتأمين الدعم المالي لإعادة الإعمار، لاسيما أنه كان آنذاك القطاع المصرفي يلعب دوراً أساسياً في الثقة باقتصاد لبنان وبسيولة عالية.

وكان لبنان في تلك الفترة يحظى بدعم دولي، ومساعدات مالية عربية، حيث تم عقد مؤتمرات دعم دولية لمساعدة الأمر الذي خفّف العبء على المالية العامة في لبنان وساعده على الصمود في وجه الدمار الذي خلفته حرب تموز، على صعيد آخر، تمكّن مصرف لبنان المركزي حينها من التدخل لحماية الليرة، والحفاظ على سعر صرفها.

أما اليوم، لبنان يواجه تحديات اقتصادية غير مسبوقة منذ دخوله بجبهة الإسناد من الجنوب اللبناني (الحرب الباردة) في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لتتحول إلى حرب ساخنة أدت إلى تهجير نحو مليون ونصف لبناني، حيث تعاني البلاد من أزمة مالية خانقة منذ العام 2019، فالليرة اللبنانية فقدت أكثر من 90% من قدرتها الشرائية، وانخفض الناتج المحلي بنسبة 50%، ليجد 80% من اللبنانيين أنفسهم تحت خط الفقر، بينما ارتفعت معدلات التضخم بشكل حادّ، والأهم أن لبنان بات يفتقر إلى الدعم المالي الدولي والعربي، بسبب سيطرة حزب الله على جزء كبير من القرار السياسي والعسكري.

إقتصاد لبنان بين حربي 2006 و2024

المقارنة بين حربي 2006 و2024 تُظهر تبايناً كبيراً في الظروف السياسية المحيطة بهما، فلبنان يعاني اليوم من فراغاً رئاسياً ومؤسساتياً، وحكومة تصريف أعمال ذات صلاحيات محدودة، مما يُضعف قدرته على الصمود أمام هذه التحديات المالية والاقتصادية.

من جهته يرى الخبير في المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد الدكتور محمد فحيلي، أن مقارنة حرب اليوم بحرب الـ 2006 “مقارنة غير ناجحة” و لا يوجد شيء مشترك بينهما سوى الصراع بين حزب الله وإسرائيل.

واعتبر فحيلي، أن “موقع إسرائيل يختلف عن الـ 2006 فاليوم نتنياهو هو أقوى مما كانت الحكومة الإسرائيلية عليه في الـ 2006 بسبب الإنجازات التي يحققها ضد حزب الله و حماس و بسبب الدعم المفرط التي تحظى به إسرائيل من الإدارة الأمريكية”.

أما على صعيد لبنان قال فحيلي، إن “لبنان بلا حكومة، بلا  رئيس للجمهورية، وبلا سلطة تنفيذية كاملة وهذا يعني أنه يفتقد إلى القدرة على اتخاذ القرارات التي تؤدي إلى وقف إطلاق النار والتهدئة كما حصل في الـ 2006 عندما كانت مكونات السلطة اللبنانية كاملة متكاملة، والتي تضافرت جهودها إلى إنتاج القرار 1701 وإنهاء الحرب من خلال المفاوضات مع الحكومة الأمريكية من خلال رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة ورئيس مجلس النواب نبيه بري”.

وأردف: ” من الناحية الاقتصادية كان وضع لبنان في حرب الـ 2006 مقبول إلى جيد وكان يتمتع بنظام مصرفي قوي بالإضافة إلى الدعم المالي الذي حصل عليه لبنان من الدول الشقيقة والصديقة التي أعادت إعمار لبنان”.

وأشار فحيلي، إلى أن “العلاقات العربية مع الكيان الإسرائيلي مختلفة تماماً عما كانت في الـ 2006، فاليوم توجد علاقات تجارية واقتصادية وسياسية بين الكيان وعدة دول عربية لذلك لا يوجد أي شبه من الناحية الاقتصادية بين الحرب في 2006 والحرب اليوم”.

ولفت فحيلي، إلى النزوح السوري الكبير اليوم، قائلاً: “متخوف جداً من المشاكل الداخلية التي ستحصل بعد أن تتوقف الحرب بسبب النزوح السوري والجنوبي إلى مناطق لا تتفق بالسياسة مع القاعدة الشعبية لحزب الله”، معتقداً، أن “إسرائيل تلعب دوراً أساسياً في هذه النقطة ونلمس هذا من خلال تدمير الأبنية في الضاحية الجنوبية والقرى الجنوبية بعد إخلائها من السكان وذلك لضمانة عدم رجوعهم إلى بيوتهم وإطالة أمد النزوح مما يؤدي إلى حرب أهلية صغيرة”.

خسائر حرب الـ 2006 مقارنة بخسائر حرب الـ 2024

تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الحرب في لبنان عام 2006 كلفت البلاد خسارة تقدر بـ 10.5% من الناتج المحلي الإجمالي، مع أضرار مباشرة وغير مباشرة بلغت 3.1 مليار دولار أمريكي، إذ أنه حرب تموز 2006 تدخّل مصرف لبنان لضخ نحو مليار دولار في الأيام الأولى؛ للحفاظ على استقرار سعر الصرف عند 1500 ليرة، وكان احتياطيه من العملات الأجنبية 11.7 مليار دولار أمريكي.

وفي عام 2006 تلقت الحكومة اللبنانية مساعدات مالية بلغت 1.174 مليار دولار من الدول الشقيقة والصديقة

أما اليوم، وضع لبنان اقتصاديا مقلق جدا ، وعلى عكس حرب 2006،وبرغم غياب إحصائيات دقيقة عن الخسائر الفادحة الناجمة عن الصراع المستعِر،تشير التقديرات الأولية إلى أن الخسائر تجاوزت بالفعل 10 مليارات دولار، وهو رقم يفوق نصف إجمالي الناتج المحلي، مما يعكس عمق هذه الحرب وخطورتها. ومن المؤكد أن التكلفة الحقيقية تتجاوز هذه التقديرات بكثير، فالشلل التام الذي أصاب القطاعات الاقتصادية الأساسية يهدّد بانهيار البنية التحتية، ويدفع بالاقتصاد إلى الهاويه.*

تداعيات وتأثيرات الحرب على الاقتصاد على لبنان

منذ بداية الحرب في الـ 7 أكتوبر تشرين الأول 2023 سادت حالة من الخوف في القطاعات السياحية والخدماتية والزراعية من تداعياتها وخاصةً في ظل الوضع الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد.

في هذا السياق لفت فحيلي، إلى أنه “من أحد أهم تأثيرات الحرب في بلد مثل لبنان بالإضافة إلى المصانع والأراضي الزراعية والبطالة التي تسببت بها الحرب”، منوهاً، إلى “كلفة الفاتورة الصحية، وتأثيرات الحرب على الإنفاق الترفيهي الذي يتأثر بها لبنان كثيراً وذلك بعدما فقدوا الأمل من السياحة الخارجية وأصبحت السياحة الداخلية مصدر عيش للكثير”.

تشير أحدث البيانات الاقتصادية إلى أن الحرب منعت المزارعين من زراعة 17 مليون متر مربع من الأراضي الزراعية. ومن المتوقع كذلك أن يشهد القطاع الصناعي تراجعاً يتجاوز 50%، مما يعادل خسائر تُقدَّر بحوالي مليارَي دولار أمريكي. كما أن تعطل الموانئ سيفاقم الأزمة المعيشية، مما سيؤدي إلى خسائر إضافية تقدر بـ 1.5 مليار دولار أمريكي.

وفي حال استهدفت إسرائيل الموانئ والمعابر الحدودية اللبنانية فإن الوضع سيؤول إلى الكارثي وذلك، بسبب الخشية من تعرض قوافل الإمدادات الطبية والغذائية للقصف الإسرائيلي.

كلما طال أمد الحرب في لبنان دخل الاقتصاد في المجهول، فالوضع الاقتصادي منهك بالكامل،و مؤسسات الدولة، مهترئة حتى من قبل الحرب، أما الشعب اللبناني، فهو مكسور ومنهوب ومذلول، ولا يريد الحرب التي فرضها الحزب عليه بأي شكل من الأشكال، وكل اللبنانيون يؤكدون تضامنهم مع الفلسطينيين وأهل غزة بشكل خاص،

ولكن يرفضون في الوقت نفسه الانجرار في الحرب، خصوصاً أن الوضع اليوم أسوأ بكثير مما كان عليه في عام ٢٠٠٦ فلبنان خسر ذراعه الدولي والعربي بسبب انخراط حزب الله في الحرب السورية وتحوله إلى أداة واضحة للنفوذ الإيراني في المنطقة بشكل عام، وفي لبنان بشكل خاص، وقيام الحزب بتكثيف عملياته العدائية التي طالت دول الخليج، لاسيما دعمه الواضح للحوثيين في استهدافهم للأراضي السعودية، ودعمه كذلك للجماعات التخريبية والإرهابية في دول أخرى مثل البحرين والكويت، فضلاً عن قيامه بفرض سيطرته بقوة السلاح على الساحة اللبنانية وفرض وصايته على مؤسسات الدولة وجعلها مرتهنة لخدمة المصالح والأجندات الإيرانية.