17 تشرين: ثورة أم حالة غضب؟

كتبت
Aya Hamdan
كتب عامر جلول:
عندما سقط الباستيل، التفت الملك الفرنسي لويس السادس عشر إلى قائده العسكري الذي أخبره عن تمرد القوات الملكية، فسأله: “أهذا تمرد” فردّ عليه الأخير قائلاً: “لا يا جلالة الملك، إنها ثورة”.
17 تشرين، يومٌ لن ينساه الشعب اللبناني إطلاقاً. في هذا اليوم نزلت النّاس إلى الشوارع بغضبٍ عارم جراء الضرائب القاسية من دون أي إصلاحيات إدارية واقتصادية وبيروقراطية، ناهيك عن التشنجات السياسية الحاصلة. أدّت تلك الإرهاصات كلّها إلى ذلك الجرف البشري للنزول إلى الشارع رافعين شعار “الثورة”.
الثورة كلمةٌ يعشقها الكثير من البشر، فهي رمزٌ للتضحية في سبيل التغيير البنوي للكيان القائم في منطقةٍ جغرافيةٍ معينة. عندما نذكر كلمة ثورة تخطر في بالنا سريعًا أيقونات مناضلة ثارت ووصل صدى نضالها إلى مختلف أرجاء الأرض مثل “تشي غيفارا” و”عبد الكريم الخطابي” و”عمر المختار” و”بوليفار” وغيرهم من شخصيّاتٍ عشقناها ونعلّم أطفالنا على حبّها والتعلّم منها. ولكن السؤال هل ما حصل في 17 تشرين هو ثورةٌ فعلاً؟
قبل تحديد الحالة في لبنان، إن كانت ثورة أم لا، لا بد لنا أن نعرّف ما هي الثورة؟ يُعتبر عزمي بشارة من أكثر الباحثين المعاصرين الذين اهتمّوا بتعريف مصطلح الثورة وكيفيّة تطوّرها. في كتابه “في الثورة والقابليّة للثورة” يقول:”ليس هناك تعريفٌ علميٌ واضح ودقيق”، إضافةً إلى الكثير من الباحثين غيره أمثال الشيخ راشد الغنوشي وبرهان غليون الذي عرّفها بإطار أنّها “ظاهرة طبيعية لا تخضع لمعايير العقلانيّة السياسيّة العاديّة ولكنّها تستمّد هويّتها من منطقٍ آخر، وهو منطق الإنفجار”.
ولكن، بعد الحرب العالميّة الأولى، حدّد العلم بعض الشروط التي لا بدّ أن تتوافر لنشوء الثورة مثل شرط سوسيولوجي في مفهوم الصراع وعدم التوازن، شرط سيكولوجي لمفهوم الإحباط والقمع والحرمان والقهر، وشرط فلسفي في السعي لامتلاك الحرية.
هناك الكثير من الأمثلة مثل الثورة الفرنسية عام 1789، وثورات أوروبا الشرقيّة عام 1989. وفي الموازاة، يترافق سياق أيّ ثورة مع نظريّة تقول إنّ الثورة هي فقط تلك التي تؤدي الى تغيير النظام أو تغيير دستوره بمعنى تغيير البنى التكوينيّة للسلطة، فالفيلسوف الإغريقي أرسطو أرسى شكلين من الثورات في سياقاتٍ سياسيّة: التغيير الكامل من دستور لآخر أو التعديل على دستور موجود. من هنا، رفض بعض الباحثين نعت ما حدث في تونس ومصر بأنها ثورة.
لاشك أن 17 تشرين هو حدثٌ جلل، في ذلك التاريخ سقط الكهنوت السياسي وسقطت هيبة السلطة والزعمات السياسيّة والدينيّة والأجهزة الأمنيّة، إضافةً الى أنها أسقطت الرعب من قلوب الناس وكشفت عورات النظام السياسي القائم، وأصبح الكيان مُهدّداً بالسقوط. ولكن، بعيداً عن المشاعر والوجدانيات، التي نحلم بها جميعًا، الإ أنها لم ترقَ إلى حالةٍ ثورية قابلة لتغيير وجه لبنان الفاسد. فالثورات تسبقها حالاتٌ من الثورات الفكريّة والتنظيريّة والفلسفيّة التي تؤدّي بطبيعة الحال إلى حالة جماعيّة تنويريّة تطرح التغيير كمنهاجٍ سياسي. هذه الحالة للأسف لم تحصل.
إنّ تاريخ لبنان، منذ ثورة طانيوس شاهين في 1860 وبداية إنشاء كيان متصرفيّة جبل لبنان حتى يومنا الحالي، لم يشهد ثورةً حقيقيّة لأنّ لبنان مجتمعات مجتمعة في بقعةٍ جغرافيةٍ صغيرةٍ، تتصارع فيما بينها؛ من أجل تحصيل نفوذٍ أكثر، كما أن اللبناني لم يرقَ إلى أن يصبح مواطناً يتمتّع بالمواطنيّة الصحيحة، والذي ينتمي إلى الأرض الذي وُلد فيها.
17 تشرين حالة غضبٍ شعبيّةٍ هزّت الكيان البنوي للدولة، ولكنّها لم تصل إلى مرحلة الثورة.