بيروت القلب الخافت والجرح الذي لا يندمل: لماذا كلّ هذا الحقد عليها؟

كتبت
Aya Hamdan
كتبت كارول هاشمية لـ”ليبانون نيوز”:
كأنه قُدّر لبيروت أن تظلّ مدينة التناقضات والنكبات، المدينة التي كانت “باريس الشرق” ولؤلؤته، والتي أغرت بجمالها الفنانين و الشعراء، حتّى غنت لها فيروز وتغزل بها جبران.
استقطبت بيروت بتنوع تضاريسها، والتي ميزتها عن غيرها من مدن الشرق، السياح، ففي هذه المدينة اجتمع البحر إلى الجبل، وبدّلت المرتفعات أثوابها بين الأخضر والأبيض.
لبنان هو لوحةٌ فريدةٌ من جمال الطبيعة ممزوجة بلون الدماء، هو جنّة ظاهرها رحمة لكن باطنها فتن طائفية جلبت على أهلها النقمة وسوء العذاب.
منذ استقلال لبنان في العام 1943 وحتى اليوم مرّت المدينة بالعديد من الكوارث الطبيعيّة والبشريّة والسياسيّة والطائفيّة، وفي كلّ مرة كانت تنهضُ مُقاوِمةً الاستسلام، ومصرّةً على أن ترمم نفسها و تصبح أكثر جمالاً.
حروب على مرّ الزمن..
مرّ على بيروت الكثير من الحروب، أكبرها الحرب الأهلية التي قسمت المدينة إلى شطرين: شرقي وغربي، فعمّ الخراب في كل مكان.
وكأنّ بيروت لم يكفها الاقتتال الداخلي، فحاصرتها إسرائيل بعد أن اجتاحت جنوبي لبنان في العام 1982، لتتحوّل إلى جسدٍ ضعيف تقطعت كل الشرايين التي كانت تمدّه بالحياة.
بعد اتفاق الطائف وانتهاء الحرب اللبنانية في العام 1990 إستقر الوضع وتوحدت بيروت، ومع تولّي الرئيس الشهيد رفيق الحريري رئاسة الحكومة في ذلك الوقت، بدأ الإعمار وهو الحلم الذي أخذه الحريري على عاتقه.
كما أنشأ الحريري مجلس الإنماء والإعمار تحت شعار “إنماء الحجر والبشر”، وبدأ بورشة ضخمة لإعادة البنية التحتية بهدف استرجاع دور لبنان الاقتصادي في المنطقة.
نتيجة الجهود الجبارة للشهيد رفيق الحريري، بدأ إعمار بيروت وإعادتها مجدداً إلى الساحة الدولية، وعادت حركة العمران إلى المدينة لتصبح مركزاً تجارياً وثقافياً مهماً للمنطقة العربية من جديد، فعُرفت بيروت مجدداً بـ “باريس الشرق” حتى العام 2005.
غير أنّ هذا العزّ لم يدم طويلاً، فمع اغتيال رفيق الحريري في شباط 2005، أصبحت المدينة ساحة للخراب على خلفية المشاكل السياسية، وعلى وقع الانقسام الشديد تغيّر شكل لبنان وتبدلت تحالفاته، لكن شيئاً واحداً لم يتغير وهو رائحة الدم التي فاحت من طرقات المدينة على شكل اغتيالات طالت وزراء ونواباً وصحفيين.
جزء كبير من مشروع الفوضى التي استهدف البلد في هذه الفترة، هو الحقد الأعمى على المدينة وعلى الرجل الذي عَمَّرَها. وخير شاهد على ذلك هو ٧ أيار…
باغتيال الحريري، اغتيلت بيروت. ومنذ الاغتيال المرعب لم يُدقّ مسمار في مشروع بناء يساهم في تحسين البنية التحتية للبلد. على العكس من ذلك، هناك استهداف يومي لما تركه رفيق الحريري للبنانيين من أسس لإقامة مثل هذه البنية.
فتدهورت الأوضاع الاقتصادية وأخذت بيروت تعاني من سادة الطائفية الذين لم تر منهم خيراً قط!
زهرة الشرق اليوم بلا كهرباء، هي عاصمة في قبضة الظلام، هي مدينة مهزومة ومذلولة مستسلمة لقدرها. والحقد الذي كان ينمو ضدّ ليل بيروت المشعشع، سهراً وضجيجاً واحتفالاً، انتصر أخيراً وأطفأها.
فانتصرت الميليشيات وفرضت نفسها باقتصادها وقوانينها وثقافتها وعتمتها.. وانهارت الليرة.
المدينة التي تنهض كلّ مرّة من قلب الرماد، اليوم تحتضر….
لماذا كل هذا الحقد على من أحيا بيروت؟! ..
ماذا فعلوا ببيروت؟؟؟ لقد حولوا الجمال الإلهي إلى قبح شيطاني يسير على الأرض، ويتعثر بثوب الطائفية والحقد.
فسيطر حكم الفساد وساد الاستبداد، وتمّ التمادي بقتل المدينة بهذه الطريقة البشعة.
الكل أبرياء هنا، ولا أحد “يُسأل” عما أصابنا ، تماماً كما لا يتحمل أحد وزر الانفجار والتهجير الذي طال نصف العاصمة.
غير أنّ التاريخ سيوثق صفحة سوداء من تاريخ هذا البلد، تاريخ وقّعه مجرمو الطائفية والمصالح الرخيصة، والتاريخ سيخلد أسماء هؤلاء في مزبلة الفاسدين.
لماذا كُتِبَ دوماً على بيروت وأهلها أن يدفعوا الثمن، وكأنّ “ضريبة جمالها” جريمة، وهي التي وصفها نزار قباني بـ “ست الدنيا”!